دينا ماهر تكتب: عنصرية الزمن الجميل

كعادة جيلي، كنا نرى أن مصر كانت أجمل زمان. أشاهد صورة أمي بالميكروجيب في جامعة حكومية بأحد محافظات الدلتا تبتسم للكاميرا وسط زميلاتها فأتحسر على شبابي الضائع في اختيار فستان تحت الركبة حتى أستطيع أن أسير ببعض الأمان في شوارع العاصمة في القرن الواحد والعشرين.

وبالقياس بالميكروجيب، لطالما شعرت أن مصر زمان كانت جنة، يعيش الجميع في سلام ووئام. بها كل ما نفتقده في أيامنا الهباب من حرية وسعادة وتقبل للآخر.

تطرق باب شقتنا جارتنا وتسألنا: ماذا سنفعل بالمصيبة التي حلت علينا؟ فأسألها: هل انكسرت ماسورة المياه مرة أخرى؟ فتخبرني أن المصيبة هي تأجير شقة الدور الثاني لأسرة مسيحية ستنجّس العمارة.

ولا أعرف كيف أقول لجارتي إن كلامها على الناس والخوض في الأعراض هو ما ينجّس العمارة، أم أقول لها إن إلقائها بقايا الطعام من الشباك هو عين النجاسة أو أن ذهابها للجامع كل يوم لن يطهرها من كراهيتها للعالم؟

أنتظرها حتى تنهي كلامها وأنصحها أن تعزّل من البيت.
أدخل غاضبة لأمي وأخبرها عما حدث، أظنها ستترحم على أيام حياتها التي قضتها في الحب بين الناس وبعضها، فتصدمني بحكايات عن قريتها التي عاشت في الزمن الجميل لكن لم يكن بها سلام ولا وئام ولا وحدة وطنية حتى قبل أن يسافر الناس للخليج ويعودوا بالفكر المتشدد.
أتذكر أن قرية أمي لا توجد بها كنيسة واحدة وأسألها: \”هو ليه مفيش كنيسة في بلدكم؟\” فتقول أمي إنه كانت هناك كنيسة بالمكان لكن في أحد أيام الجُمّع، دقت أجراس الكنيسة، فغضب المسلمون بالقرية وقرروا هدمها. حينها ذهب جدي لأمي لنقطة الشرطة للإبلاغ عن محاولات هدم الكنيسة، فأخبره الضابط أنه من الخطر التدخل في أمر كهذا وأن وقوف السلطة في أي جانب سيجعل الأمور أسوأ. ويسأل الضابط جدي عما يضايقه في هدم الكنيسة وهو مسلم؟! يقف جدي مكتوف اليدين بين الصمت الحكومي وجهل الناس وعنصريتهم.
أفكر في قصة أمي وأفكر كيف يقوم المسلمون الغاضبون حتى الآن بهدم كنيسة من أجل قصة حب بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، وكأننا في فيلم عبثي، مثلما تغلق الحكومة محطة السادات مع كل حادث إرهابي.
تحاول أمي أن تثبت وجهة نظرها بوجود العنصرية منذ زمن الزمن، فتخبرني أنها حين كانت بالكلية، ذهبت لزيارة صديقة مسيحية لها في قرية مجاورة تدعى \”مليج\”. تذهب أمي ولا تجد منزل إيڤون. وفي وسط حيرتها تقابل سيدة عجوز تسألها: عايزة مين يا بنتي؟ فتقول أمي عايزة بيت إيفون، لتخبرها السيدة أن \”النصارى\” في الجانب الآخر من الترعة في \”حصة مليج\”.
أتذكر عدد المرات التي جلست بجانبي صديقة مسيحية وأخبرني أحدهم أن المسيحيين وحشين ومابيستحموش، فأدرك أن من قال لطفل في السادسة من عمره تلك الكلمات هو شخص عاش في الزمن الجميل، لكنه محمل بالعنصرية والتخلف العقلي، لكن في كل مرة باحمد ربنا أنني ولدت في منزل لا يعرف مصطلحات ككوفتس وعضمة زرقا وأربعة ريشة. وهي أشياء لم أعرف معناها إلا حين خرجت للشارع.

أتذكر حكايات أمي عن جدي وهو ينهر خالي حين يطلب من أمي أن تضع له الطعام، ويخبره أن الفتيات لسن خادمات لراحته، فأعرف أن طريق الإضطهاد والعنصرية يبدأ من أفعال صغيرة لا نعطيها الأهمية.
فمن يرى أن المسيحيين ريحتهم وحشة طفلًا، سيصبح مراهقا يراهم عايزين ياخدوا البلد، ليصل شابا لا يجزع من القتل، ينام قرير العين كل ليلة ويبتسم وهو يشعر أنه وحده وأبناء دينه سيدخلون الجنة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top