كنا فتيات صغيرات نشاهد فيلم \”الجميلة والوحش\” وننبهر، كيف يستطيع الحب أن يحول ذلك الوحش الكاسر لأمير جميل القسمات. كان مغزى القصة دائمًا أن الحب ليس بالنظر، فالفتاة الجميلة تحب الوحش وهو وحش دون أن تعرف أنه سيعود أميرًا يومًا ما بسبب هذا الحب.
حتى \”جميلة\” بطلة الحكاية لم تكن فتاة عادية، بل كانت تحب القراءة في مكان لا يعرف سوى الفتيات اللائي لا يرغبن سوى بالزواج من الصياد الوسيم.
كنا صغيرات، نعتقد أن الحب أعمى لا يفرق بين غني وفقير، جميل وقبيح، أو كما يقول المثل المصري \”مراية الحب عامية تخلي الكوسة بامية\”. لكننا نرى في الواقع أن المجتمع والأعراف والقيل والقال يعرف الفروق الطبقية والشكلية والمادية. كنا نظن أن الحب يصنع المعجزات، حتى أدركنا سذاجة تلك المقولة، فالحب لا معجزة له إلا أنه يجعل فتاة جميلة حرة تتزوج بكامل إرادتها لتتحمل مسؤولية زوج وأطفال وبيت كامل.
كان الوحش مثقفًا يقرأ الكتب، كفتى أحلامي الدائم، دائمًا ما يخطف قلبي في القصة حين يأخذ الفتاة \”جميلة\” لمكتبة كبيرة مليئة بالكتب، فأشعر أن الحب الحقيقي يولد بين دفات كل تلك الكتب وكل تلك الحكايات.
ينمو الحب في القصة على مائدة طعام يجلس في طرفيها الجميلة والوحش كل ليلة على العشاء، ليرسخ فكرة أن الطعام من أهم عناصر الرومانسية الحالمة.
ثم تأتي النقطة التي يترك الوحش فيها الفتاة الجميلة تذهب لأبيها، فأتعلم في سنواتي الأولى أن الحب ليس أنانيًا كما اعتقدت دائمًا. الحب هو أن نترك الخيارات مفتوحة دائمًا، أن نتخير سعادة من نحبهم حتى وإن كانت سعادتهم بدوننا. تألم الوحش في هذه النقطة كما تألمنا جميعًا حين تركنا من نحبهم يرحلون لآخرين قادرين على إسعادهم. لكن الوحش أوفر حظًا من الكثيرين منا فالحب يعود له مرة أخرى متشبثًا به.
في نهاية القصة أصاب بخيبة أمل كبيرة حين يتحول الوحش لأمير، وتفرح حبيبته بالأمر. وأشعر أنها كانت تحبه على مضض. يسقط المغزى أمامي، فمغزى القصة كما فهمته أننا نحب الروح لا الشكل، نحب أحدهم رغم أنه لا يبدو كفتى أحلام لكنه يحمل قلبًا صادقًا.
كنت دائمًا ما أرى أن الوحش أجمل كثيرًا من الأمير، وأنزعج من تحوله لأمير جميل. فأنا حقيقة أحب الوحش لا الأمير. أحب ذلك الشخص الذي يبدو بشكل يراه العالم قبيحا، لكنه يحمل جمالًا داخليًا لا يراه سوى الباحثين عنه. يفتنني كل ما هو قاتم في هيئته الخارجية رقيق داخليًا. جاء ذلك من هوسي بفكرة الجمال الداخلي، فأنا أحب الجمال الخفي الذي لا يظهر سوى بعد تنقيب طويل وأمل في الوصول. كثمرة جوز الهند التي في ظاهرها حجر عصي الفتح وداخلها قلب أبيض حلو المذاق. أما الأمير البلاستيكي الذي يظهر في نهاية الفيلم كأن هناك من أقحمه، أصرخ في وجهه كل مرة أشاهد الفيلم \”أنت مين يا عم أنت\”.
في رأيي المتواضع كان لابد للأمير أن يظل وحشًا، فالفتاة الجميلة قد أحبت هذا الوحش وعادت من أجله وتريد أن تستكمل حياتها معه. أنزعج لتحول الأمير كانزعاجي بقصة تحول الأمير الضفدع لهيئته الإنسانية عقب قبلة الفتاة. فكما تقول قصة \”الأمير الضفدع\”: \”عليك بتقبيل الكثير من الضفادع قبل أن تجدين أميرك الوسيم\”. لكن ماذا تفعل الفتيات محبات الوحوش والضفادع كارهو الأمراء؟