كانت هناك نكتة نتداولها أيام حسني مبارك. تقول النكتة إن حسني مبارك استدعى أحد مساعديه لمشورته في أمر مهم، حيث كانت مشكلة الرئيس أن الناس تتعرض للظلم ولا تعترض، وهو بحاجة أن يرفع الظلم فتحبه الجماهير. يقترح عليه أحد مساعديه أن يجعل كوبري أكتوبر بكارتة للصعود.
تمر الأيام ويدفع الناس دون تذمر. تجعل الحكومة كارتة أيضًا على النزول فلا يتكلم أحد، فتضطر الحكومة أن تجعل الهبوط بكارتة وضربة ع القفا. يحضر الرئيس مؤتمرًا صحفيًا ويصرخ أحد المواطنين: \”ارفع عنا الظلم يا ريس\”. يفرح الرئيس منتظرًا أن يطلب منه المواطن إلغاء الكارتة والضرب ع القفا. ليكمل المواطن \”الطابور بتاع ضرب القفا ع الكوبري حارة واحدة، اعملوه حارتين يا ريس\”
ربما هذه النكتة قد فقدت معناها اليوم، فهي لم تعد نكتة، بل صارت واقعًا. فكل يوم نرى من يكتوي برفع الأسعار وقرارات الحكومة، ومازال يدافع عنها وبقوة.. كنا نقول حينما يأتي على المواطن الدور في التضرر من السياسات الفاشلة سيعترض عليها، لكننا يوميًا نرى جحافل من المواطنين الراضين بما يحدث آملين أن ينصلح الحال.
ولا أعرف إن كان المواطن أن من يردد كلامهم عن نجاح الحكومة، يأخذون حقهم تالت ومتلت، وأن المدافعين عن النظام أجرهم ملايين الجنيهات.. هؤلاء الذين يظهرون على شاشات التلفاز بأصواتهم المزعجة مدافعين عن الحكومة بكلام لا يقنع طفلا صغيرا، دولابهم مليء بشماعات للفشل، فهم على خلاف محمد منير لا يعلقون أحلامهم ع الشماعة، لكن يعلقون الفشل ويعرضونه للجماهير العريضة، فهناك شماعة الإخوان وشماعة المؤامرة الخارجية وشماعة أن المواطن كسول لا يتقشف وأن التاجر جشع. ولا يعلم أحد أن كل هذه الشماعات مسؤولية الحكومة ولسنا المسؤولين عنها. فلا أعرف بلدا يحترم نفسه يتآمر عليه من بالداخل والخارج ولا تستطيع أن يفعل شيئًا. وكيف يتآمر الإخوان وهم محبوسون؟ هل هم بهذه القوة حقًا؟ وإن كانوا أقوياء كيف سقطوا بهذه السهولة؟ وكيف كل من يتحدث عن سوء إدارة النظام، إخوان حتى وإن كان \”شيوعي\”. وكيف يطالبنا أحدهم بالتقشف أكثر، وأنا لا أعلم أي تقشف سنفعله أكثر من هذا! هل نلغي الكهرباء من حياتنا ونعمل على لمبة جاز؟ أم نذهب لأشغالنا سيرًا على الأقدام حتى نوفر للحكومة؟ بالإضافة إلى أن جشع التجار مسؤولية الحكومة المتخبطة التي تصدر قرارات دون مراجعتها، كأننا نعيش في فرن عيش وليس دولة لها قانون ودستور.
لا أعلم ما كل هذا الحب الذي يكنه المواطن الشريف -كما يسمي نفسه- لحفنة من الفشلة والمروجين لهم.. والفشل صفة سائدة للحكومات المصرية المتعاقبة وليست سبة. لكن ما الذي يدفع إنسانا أن يكمل الدفاع عن أفكار أثبتت فشلها، ومسؤولين يتفننون في تكدير صفو حياته يوميًا. دائمًا ما أتخيل صانعي القرار يسهرون الليل لا للعمل، بل للتفكير كيف سيحيلون حياتنا لجحيم كالنكتة السالف ذكرها. تارة نزيد الأسعار وتارة نضع حدًا للسحب الدولاري وتارة نلغيه.. نصدر قوانين معيبة، وننتهج سياسات خارجية مهينة. كل هذا يحدث والدفاع عن الحكومة ورجالها مستمر.. ربما هي متلازمة ستوكهولم التي صدعتنا بها السوشيال ميديا حين تعاطف البعض مع النظام المصري عقب الثورة.. ربما هو العند، الذي يدفع الإنسان للدفاع عن خياراته الخاطئة.. لكنني لا أجد أبلغ من المثل الشعبي القائل \”كييف الخرا يجيبله معلقة\” مع تغيير طفيف إن المعلقة تطورت وأصبحت مغرفة.