دينا ماهر تكتب: شهادة اتنين موظفين

أقف أمام موظف المعاشات وأستمع لطلباته الكثيرة التي لا تنتهي، فأتخيل الموظف المسؤول دجالا يطلب من سيدة جاوزت الأربعين ترغب في الإنجاب طلبات تعجيزية.

حين كنت أصغر سنًا، كنت أظن الدجال يطلب أشياء لن نجدها أبدًا، حتى نتحمل ذنب أن ما نتمناه يتحقق. لكن يبدو أن هناك من يجد ورك الأسد، وقلب غزالة وردي اللون، وكلاوي ثعبان. يبدو أن الناس تجد تلك الأشياء، لأن مصر بها مائة مليون شخص يتعامل مع النظام الحكومي كما لو أنه تكفير ذنوب، أو عذاب إلهي، أو لعبة فيديو جيم.
في المصلحة الحكومية أنت مطالب دائمًا بإثبات كلامك، ويجب عليك أن تأتي بشهادة تحمل إمضاء اتنين موظفين. طلب مني الموظف شهادة من اتنين موظفين أنني لست متزوجة. ولا أعرف كيف سيعرف الاتنين الموظفين أنني صادقة؟ هل سينظران لي نظرة فاحصة، ويصدران الحكم أنني مازلت آنسة؟

ما أعرفه أن الحكومة لديها إسمي وبضغطة زر من السهل أن تعرف هل أنا متزوجة أم لا، فما فائدة الاتنين الموظفين؟
تخيلت مئات المشاهد، تارة أنا أتوسل لموظف حكومي أن يعطيني إمضته الكريمة، وتارة أدفع له رشوة، وتارة اختطفه وأحصل على توقيعه تحت تهديد السلاح. لكن لماذا اتنين موظفين؟ هل هو مثل الاتنين شهود المطلوبان في إتمام عقد الزواج؟
كدت أنسحب من لساني وأطلب من الموظف أن يجعلني أحلف برحمة أبي، ويرحمني من الطلبات العجيبة تلك، لكنني آثرت السلامة واتجهت لعمل أمي السابق، وطلبت من زملائها التوقيع، وطبعًا بعد الكثير من إن شاء الله نمضي السنة الجاية عقد جوازك، حصلت على الإمضا، ورجعت لمكتب التأمينات فخورة بنصري الزائف.
وحتى أكون صريحة، فتنتني فكرة الاتنين موظفين، فأنا أفكر جديًا أن أحمل معي شهادة من اتنين موظفين أنني بخير الحمد لله، رغم أن ذلك لا يبدو علي تمامًا. شهادة من اتنين موظفين أن موبايلي مغلق لأنه جهاز ذو بطارية تنفد طاقتها، وشهادة لأمي أنني لا أحب السمك البلطي. يبدو أنه حل سليم يمنعك من تكرار كلامك ومحاولاتك في إثبات صدقك. أتخيل حياتي بشهادة اتنين موظفين وكيف يقران أنها جميلة لا ينقصها شيء، وأتعجب كيف توصلت القوانين لمثل هذا الحل السحري!
حين عدت للموظف بكامل الورق، نظر لي نظرة تشكك، وأخبرني أن الورق سليم، لكنه يحس أن هناك شيئا خطأ. كان برج من عقلي هيشت كما يقولون، وكدت أنسحب من لساني مرة أخرى، لأخبره أن المشي ورا الإحساس بيعمل مصايب، وأنصحه بنظرة واسعة للعالم، ولكل القلوب المنكسرة حولنا التي مشيت ورا إحساسها فخدت على دماغها.
حينها جاء المخلص، ألا وهو مدير الموظف المسؤل، الذي قال له بالنص: \”حرام عليك بقى سيبها دي تعبت\”، فرق الموظف لحالي ووافق على ورقي. خرجت من المصلحة كمن كتب له عمر جديد، لكنني نسيت أن أسأل الموظف: هل شهادة الوفاة تحتاج إمضا من اتنين موظفين؟ لأنني لن أستطيع أن أحصل على إمضاء بعد وفاتي؟

عموما، ليست مشكلة، فأنا سأكون أنعم في قبري بعيدًا عن أوراق الحكومة اللعينة والورثة يتحملون المسألة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top