(في طفولتي كنت أظن طنط سكينة جارتنا تأكل وشوش الجيران ليلا، فأمي دائما ما كانت تطلب مني أن أحصل على أعلى الدرجات عشان طنط سكينة متاكلش وشنا.. كما كان يقول عبد المنعم مدبولي في فيلم الحفيد: \”لازم البفتيك عشان محدش يقول حاجة\”.
كانت أمي تحرص على ألا يقول الناس حاجة أو يأكلوا وشنا، فكيف لنا أن نعيش ونحن بلا وجه؟!
ظلت طنط رفيقة أحلام الطفولة.. في أحلامي كانت طنط سكينة تأكل وجهي يومياً، حين أرسب في الحساب، أو أتحدث مع زميل لي بالفصل، وذات مرة حلمت أني ألعب بفستان قصير، فوضعتني طنط سكينة في الفرن، وقدمتني عشاء لأبناء الشارع.
كنت أخاف من طنط سكينة ومن على شاكلتها من الأقارب والجيران أكثر من خوفي من أمنا الغولة. كانت طنط سكينة بقوامها الممتليء وملابسها السوداء وحجابها الذي يظهر نصف شعرها الأشيب، أسنانها الصفراء وأصابعها الخشنة من كثرة الأعمال المنزلية، ورائحتها الثقيلة التي كانت تشتريها من العتبة، مركز كل المجالس.. الأفراح والمآتم.. تعرف كل شيء كشيخ الحارة.
تأتي طنط لتجلس مع أمي وتتحدث عن كل الناس: \”شفتي مش محمد عمران طلع متجوز على مراته؟ بنت من دور عياله\”.. \”اسكتي، مش أنا شفت مريم بنت عم صابر وهي راكبة عربية مع واحد غريب. ولا الست أم حسام اللي ملبستش على جوزها الميت إسود غير سنة واحدة.. مش بعيد تروح تتجوز.\”
وتستمر السهرة.. تبدي أمي وجارة أو اثنتين استياءهما من الحديث، لكن لم تجرؤ إحداهن على إسكاتها، فقد كن يعتبرن طنط سكينة العدو الذي يجب أن تمشي عدل فيحتار فيك.
جميع من في الحي يسمعون حكايات سكينة ويستقبلونها في بيوتهم وهم يعرفون أن سكينة ستتحدث عنهم بالسوء، أو تهري فروتهم.
حين حصلت على الشهادة الابتدائية بمجموع كبير يحفظ لي ماء وجهي – ووجهي نفسه لو لزم الأمر- جاءت طنط سكينة لبيتنا وأهدتني فستانا حلاوة النجاح.. حضنتها وقلت: \” أنتي طيبة أوي يا طنط، مش هتاكلي وشي، صح؟\”.. أجفلت السيدة وسألتني: \”مين قالك عني كده\”، لأرد: \”ماما قالت إنك بتاكلي وش الساقطين\”، لتتدخل أمي وتأخذني من يدي وترقعني علقة سخنة وتقول: \”بتنقلي الكلام؟ أنا كنت في نص هدومي\”، لتتحول طنط سكينة في مخيلتي من آكلة وجوه، إلى طنط اللي بتخلي الناس في نص هدومها\”.
وبهذا انتهت الهدنة بين أمي وطنط سكينة، وأصبحت طنط سكينة تأكل وشنا دائماً.
أنا اتقدم في العمر، ولم أتزوج.. تأكل خدي.
أنا أعود في ساعة متأخرة إلى منزلي.. تأكل الخد الآخر.
أنا أخلع الحجاب.. تصنع مني لحمة راس.
أكلت طنط سكينة أطنانا من وجهي على مدار عمري، ولم يعد ذلك يخيفني، وإن سألني أحدهم على سبب نضارة بشرتي؟ سأخبره أن يفعل ما يحلو له، فيأكل الناس وشه، لتتجدد خلاياه. شكرا يا طنط.