دينا ماهر تكتب: شارع الصحافة

كان والدي يعمل مهندسا بشركة الكهرباء بشارع 26 يوليو بوسط البلد. ونظرا لافتتاني الشديد به، كنت أتمنى أن أكبر وأعمل معه.. لم أفكر أن أعمل مهندسة مثله، ولا أعرف السبب حتى الآن.

كنت أقضي الساعات في التدريب للعمل كمديرة مكتبه، فأنا أرد على التليفون وأنسق الورق وأدخل له بورق كثير حتى أمضي \”البوستة\”.. ثم انطفأ حماسي للأمر -كعادتي- فقررت أن أعمل بمكان قريب من مكان عمل والدي، وحين رأيت مبنى أخبار اليوم، سألت والدي عن ذلك المبنى، فأخبرني أن الشارع اسمه \”شارع الصحافة\”.. قررت أن أصبح صحفية لأكون قريبة منه.

أكبر ويتجه شغفي نحو القراءة، ولسبب خفي تصبح \”أخبار اليوم\” جريدتي المفضلة.. ربما كانت بساطة اللغة في \”أخبار اليوم\” هي السبب. المهم صرت اقرأ \”أخبار اليوم\” بكل ملاحقها.. ذات مرة دفعني الفضول للبحث عن صورة الأخوين مصطفى وعلي أمين، لأجد أن مصطفى أمين يشبه أبي، فأتشبث بالصحافة أكثر وأكثر.

قرأت مرة مقالا للأستاذ سمير عبد القادر كتب فيه أنه حين تم سؤاله عن سبب ولعه بالصحافة، قال إن عشقه للصحافة بدأ منذ الطفولة حينما أصابته نوبة برد شديدة، فقامت والدته بتدفئته بورق الجرائد.. كنت ومازلت أتعجب لماذا لا نحتفي بالصدفة كاحتفائنا بقصص النجاح المليئة بالعمل والدموع والأرق.. هناك من يعمل بجد ولا يجني شيئاً فقط لإن الحظ لم يحالفه.. عن نفسي كل ما حدث بحياتي لم يكن سوى مجموعة من الصدف.. لم أفلح يوماً في التخطيط لشيء، وحتى الآن لا أتذكر قصة حدثت لي دون أن تلعب الصدفة سببا رئيساً، فأنا أحببت القراءة لأن أختي كانت تحتفظ بعشرات الكتب.. كنت طفلة منطوية لا أجيد العلاقات الاجتماعية، ولا التعبير عن نفسي، فينصحني طبيبي أن أكتب.. أكتب كلاما أظنه لن يرى النور، فيراه أحدهم صالحا للنشر، فينشر.

ألتحق بالكلية ليس سوى بسبب مكتب التنسيق، فأجد أمامي بطاقة الترشيح تحمل \”إعلام القاهرة\”، فأتذكر حلم الصحافة الطفولي، وأكمل دراستي للصحافة.. في عامي الجامعي الأخير تطلب مني صديقة أن أساعدها بمسرحية لأدرك أن لا شيء يسعدني مثل رؤية العرض من وراء الستار.

لماذا لا نكون مثل سمير عبد القادر، نخبر الناس بالحقيقة، فلا يبدو معقولا أن كل الناس حققت أحلامها، ولا يبدو مستساغا أننا تعلقنا في طفولتنا بالأشياء لأسباب عظيمة. ربما أنا درست الصحافة صدفة لأقابل صديقتي التي تجعلني أعرف عالم المسرح صدفة.. ربما حبي للمسرح صدفة لشيء آخر.

أنا مع ترك الأبواب مفتوحة، الطراوة حلوة.. أنا مع التجربة، ولا أطلب من الله ألا يدخلني فيها.. التجربة تسلية جميلة في أيام الحياة الطويلة المملة.. هناك من يبدأون الحياة متأخراً، هناك كُتاب اكتشفوا ولعهم بالكتابة وهم على أعتاب الكهولة، وهناك من وجد أن ما حلم به طوال عمره لم يحو أي سعادة.

لا يجب أن نهدي نجاحنا لأنفسنا ولمن حولنا فقط، ناسين أو متناسين أن دقيقة تأخير قد لا تجعلك تحصل على وظيفة أحلامك، وأن نصف درجة قد تبعدك عن حلم الكلية التي تريد الالتحاق بها.. قد يضعك القدر في طريق لا تحبه، لتكتشف كم كنت غبيا، وأنك لن تجد السعادة إلا إذا أكملت طريقك.. ربما يجب علينا أن ننظر بالاتجاه البعيد، وأن نسلك ما لا نحب. فقد يكون ما لا تعيره اهتماما هو ما تريد، وربما القدر لا يفعل شيئا سوى أن يضربنا على قفانا لنلتفت لما تركناه دون تجربة..  ياللي عينيك شايفاه ولسه بتدور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top