دينا ماهر تكتب: جلال لا يأكل الفول

عنوان المقال قصة كان يحكيها لي خالي وأنا طفلة وهو يطعمني الفول في الفطور.

تقول القصة إنه كان هناك طفل يدعى جلال لا يأكل الفول. ذهبت أمه للعصا وطلبت منها أن تضربه حتى يأكل الفول. رفضت العصا وقالت لها: \”وأنا مالي ومال جلال\”، لتذهب الأم للنار لتحرق العصا وتعاقبها على رفضها المساعدة، فترفض النار أيضا. تفكر الأم في عدو النار اللدود الماء وتطلب من الماء الانتقام وأن يطفيء النار، فيرفض الماء الذي لا يعنيه جلال في شيء هو الآخر. تبحث الأم عن أحد يشرب الماء، فتسأل البقرة أن تفعل، فترفض البقرة، فهي لا يعنيها أمر جلال. فلا تجد الأم بدا من سؤال الجزار أن يذبح البقرة، فيستجيب لها ويجري على البقرة ليذبحها، فتجري البقرة على الماء لتشربه.. فيجري الماء على النار ليطفئها.. فتجري النار على العصا لتحرقها.. فتجري العصا على جلال لتضربه.. فيجري جلال لطبق الفول ويأكله.
بالطبع كانت الحدوتة تجعلني أنهي طبقي، لكنني بعد الانتهاء من الفطور، كنت أسأل نفسي: لِمّ يحدث كل هذا من أجل أن يأكل طفل طعامه؟ ولماذا طلبت الأم من العصا أن تضربه ولم تضربه هي بنفسها؟ ولماذا تعادي الأم من يرفض لها طلباً، ولماذا لم يستجب سوى الجزار \”الإنسان\” لطلب الأم؟ هل هو شعور الإنسان بأخيه الإنسان، أم رغبة الجزار في ذبح البقرة؟ أم استغلال للموقف حتى يكسب \”بنط\” عند الأم؟
حين كبرت أدركت أنني لم أدرك أهم مغزى للقصة، ألا وهو أنني ساذجة مثل جلال.

ربما ننقسم نحن في حياتنا لأبطال تلك القصة الطفولية. فمنا من هو جلال المغلوب على أمره يفعل أشياء لا يريدها بدافع أن ذلك من مصلحته.

أعتقد أننا كأطفال مصريين، عشنا طفولة في منتهى الجلال بداية من الطبق الذي يجب أن يخلص، مروراً بالكوسة التي تكرهنا لأننا نكرهها، نهاية بالطعام الذي سيجري وراءنا يوم القيامة.

هناك أجيال كاملة من أشباه جلال عاشت وماتت كما هي مجبورة على فعل الأشياء بدافع أن هذه هي المصلحة.. لكن يا أم جلال ويا كل أم، ماذا لو كان جلال يكره الفول من الأساس، أو يتعب قولونه من البقول؟

ماذا يا من أخبرونا أن الحياة الجيدة تعني مجموعة من الإجراءات، وأجبرونا على اتباعها، لو أننا لا نستطيع أن نفعل ما تروه صحيحاً؟

ماذا لو كان السير تبعاً لخطة المجتمع المتفق عليها يصيبنا بالغثيان ويدفعنا للبكاء كالأطفال؟

وعلى الجانب الآخر من جلال، نرى أمه، التي ربما كانت \”جلال\” يوماً ما، لكنها كبرت وأصبح لها السلطة، فصارت من هؤلاء الذين يريدون أن يسير الكون كما يريدون دون تنازل، ويعتبرون أن من لا يساعدهم عدواً يجب التخلص منه.

ومجموعة العصا والنار والماء والبقرة الذين لا يهتمون لشئ، لكن تجبرهم الظروف على الدخول في الدائرة التي لا تنتهي.. مثل اللامكترثين حولنا الذين تجبرهم الظروف أيضاً أن يفعلوا الأشياء أو على أقل تقدير يتظاهرون بفعلها.
والجزار الشخص النفعي كما قال الكتاب الذي يجري لاهثاً وراء مصلحته دون أن يهمه جلال ولا الفول ولا نمو الأطفال.. لا يهمه سوى أن يذبح البقرة ويرضي الأم ويندعق الباقي، وهذا الجزار دائماً ما أتذكره حين أشاهد المطبلاتية في قنوات التليفزيون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top