دينا ماهر تكتب: العواقب يا عزيزي تفسد كل شيء

يقولون إن شعاع الشمس الذي يصلنا اليوم من الممكن أن يكون قد نشأ نتيجة انفجار تم في عصور ما قبل التاريخ. حقيقة علمية مسلية قد تنفعك يومًا عزيزي القاريء للتفاخر أمام أحدهم، لكن ألا ترى معي أنها حقيقة مرعبة بعض الشئ؟ ذلك الشعور أن لا شيئًا يحدث هباءً، فكل حادث له عواقبه المترتبة التي قد تصل لمستويات بالغة الرعب.

في أفلام الخيال العلمي نجد المسافر بآلة الزمن يعود للماضي، يرتكب خطأً صغيرًا، ربما كان قتل حشرة صغيرة. يعود المسافر لزمنه الأصلي فيجد أن مدنًا اندثرت وحضارات لم تتكون بعد بسبب قتله لحشرة صغيرة. ربما ونحن نفعل الأشياء أو لا نفعلها لا نتخيل أن العواقب ستتعاظم لهذه الدرجة. فكرة مرعبة قد تدفعني لمحاولة الانتحار كل صباح، حتى لا أتسبب في مأساة إنسانية أو تحدث لي كارثة بسبب فعل أظنه بالغ التفاهة.

تخيل معي أنك عزيزي في امتحان الثانوية العامة، لا تستطيع تذكر معادلة كيميائية أو قانون فيزيائيًا أو تاريخ عقد معاهدة سايكس بيكو إذا كنت من طلاب القسم الأدبي. تحاول أن تعصف ذهنك في لجنة الامتحان باحثًا عن إجابة دون فائدة. تترك السؤال، فتخسر درجة أو اثنين، لا تلحق مكانك بالكلية التي تريدها وتذهب لأخرى أبعد ما تكون عن اهتماماتك ونبوغك. تتعرف على زميلة في الكلية تحبها وتتزوجها، تنسى كل شيء عن أحلامك، وتشعر أن القدر جعلك تخسر درجات حتى تلتقي تلك الفتاة وتعيش سعيدًا. ليت الأمور بهذه السهولة والسعادة. لكن في حقيقة الأمر أنت تتخرج من كلية تكرهها لتقضي عمرًا طويلًا في عمل لا تحبه، ولا تستطيع تغييره، لأن الحياة لا ترحم، والثلاجة لن تمتليء من تلقاء نفسها، وسائقي المواصلات يريدون مالًا نظير توصيلك، وصاحب المنزل يريد الإيجار، فعمارته ليست جمعية خيرية.
أسمع صوتًا بعيدًا يتهم نظام التعليم المصري الفاشل القائم على بعبع مكتب التنسيق بالأمر كله. أعتقد أننا سنحتاج فقرة أخرى للتوضيح. تخيل معي أنك مواطنًا أمريكيًا تم السن القانوني للانتخاب قبل عام 2001. تقرر أن تنتخب جورج بوش الابن متوسمًا أن ذلك هو الرجل المناسب للمكان المناسب. يتخذ جورج بوش قرارًا بغزو العراق في 2003. تنقسم العراق، تظهر منظمات إرهابية تحارب من أجل حلم الخلافة الإسلامية. في 2016 تذهب أنت لفرنسا من أجل قضاء وقتًا طيبًا، تموت تحت عجلات سيارة نقل في هجوم إرهابي بميدان نيس وأنت تشارك في الاحتفال بالعيد القومي في فرنسا.

ربما تجد أن مغزى القصة أن الجزاء من جنس العمل، وأن المواطن الذي اختار رئيسًا سيئًا يجني ثمار فعلته. ظاهريًا كلام سليم، فالمواطن مسؤول عن أفعاله، لكن في الحقيقة كلنا محبوسون في غرفة ضيقة وكل التفاتة تصدر تأثيرًا قويًا. لإيضاح وجهة نظري، تخيل معي لآخر مرة أنك مواطن في بلاد لم نسمع عنها من قبل، بعيدا تمام البعد عن السياسة والاقتصاد، حتى الكرة ليست من اهتماماتك. تجد غالبية الشعب تنتخب أحدهم، ورغم أنك لم تشارك في الاختيار، لكن التبعات تطولك كغيرك. تتضاعف الأسعار بشكل جنوني فتتقشف مرغمًا. يحدث تضخم اقتصادي، فيصبح مرتبك لا قيمة له. تقوم حكومتك بمشروعات فاشلة وتتحمل أنت زيادة الفائدة على الدين الخارجي. تصرخ وتقول أقسم بالله العظيم ما انتخبته، لكن ذلك لا يعفيك من شيء. العالم كما يقولون أصبح قرية صغيرة، وذلك ليس بسبب التكنولوجيا، ولكن لأنك كقطعة دومينو ضمن ملايين القطع المرصوصة بجانب بعضها البعض، تقرر إحدى القطع أن تتحرك، أنت ثابت في مكانك، لكنك تسقط بقوة الدفع. فتنهار وينهار فوقك كل شيء. في الحقيقة أنت في موقف لا تحسد عليه، فأنت تدفع فواتير أشياء لم تستخدمها، وتبعات رئيس لم تختره. لكنها العواقب يا عزيزي تفسد كل شيء. لا أعتقد أن بيدك حلًا. ولا بيد أحد… الحل بيد الله، أن يعود العالم للخلف لا يعرف الديكتاتوريات ولا الدول ولا الحروب ولا المشاريع العملاقة.. أن نعيش جميعًا سعداء على الجمع والالتقاط، وننام في كهوف، جُل ما يشغلنا حيوانًا مفترسًا ينتظرنا بالخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top