دينا ماهر تكتب: أنت وحدك لأننا كلنا كذلك

لا أعرف أحدًا لا يشكو الوحدة، سواء كان متزوجًا أو لا، يملك عائلة كبيرة أو مقطوعا من شجرة. ربما أنا لا أعلم سوى الوحيدين أمثالي. لكنني أشعر أن ما يربط إنسانًا في اليابان بآخر في أمريكا الجنوبية هو الشعور بالوحدة.

عن نفسي أعرف أنني بدون عيل أو تيّل كما يقولون، وربما ذلك ما يجعلني وحيدة. لكنني توصلت أن الوحدة ليست خيارا.

أنت وحيد ليس لأنك وحدك.. أنت وحيد لأننا كلنا كذلك.

جميعنا وحيدون وإن لم ندرك، نحمل على عاتقنا يومنا.. فشلنا، نجاحنا، وموتنا.

كنت أتساءل: لمّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يظل يعتمد على والديه ومن حوله طوال الوقت؟

أخبرني أحدهم أن هذا من متطلبات التطور، لكنني أعتقد أنه ميكانيزم دفاعي ضد الوحدة.

أسترجع العبارة الخالدة، أن الإنسان حيوان عاقل ولا أتفق معها، فالحيوانات تملك عقلا.

الإنسان حيوان مدرك، أدرك كم هو وحيد، فحاول التغلب على ذلك.. كوّن مجتمعات بأشكال مختلفة حتى لا يبقى وحيدا.. اخترع صيغًا تقيه شر الوحدة، فخلق الكلام والموسيقى والكتابة والرسم والسينما.

ربما كانت الوحدة التي بالأساس سبب شقائنا، هي سبب نبوغ الجنس البشري. فحين نشعر بالوحدة نبحث عن شيء يشغلنا عنها.. موهبة، سعي محموم وراء فكرة، أو رغبة في تعلم شيء جديد.

ربما جاءت الوحدة كمشكلة في ظاهرها، وحل خفي للملل وتكرار الحيوات.

ربما اخترع الإنسان التلفاز حتى يجد ما يفعله قبل أن ينام كل ليلة.

ربما اخترعنا الأسِرة الصغيرة حتى لا نشعر أن الفراغ يأكل روحنا كل ليلة.
أتابع رحلة أسماك السلمون التي تسافر في رحلة طويلة لوضع بيضها بالماء العذب وتموت بعد إتمام مهمتها.

ربما نحن أسماك سلمون قررنا ألا نخوض جميعًا نفس الرحلة.. ألا نعيش الحياة ذاتها رغم أن النهاية واحدة.

خرجنا من القالب رغبة في التفرد، فوجدنا الوحدة شاخصة أمامنا تحذرنا من الخروج عن النص، فأتممنا ما بدأناه، واتخذنا أشكالًا مختلفة للحياة.

منا من قرر أن يظل في مكانه، ولا يسير كما تخطط له الحياة، ومنا من قرر أن يخرج تمامًا من الماء، لكننا في النهاية نموت، ككل شيء آخر.

زادت الوحدة فظهرت الفلسفة، خرجنا عن خطة الحياة، فصرنا نفكر في جدواها.

أدرك المتدينون أن الوحدة إجبار، فاستنجدوا بالعلي القدير الذي لا يترك أحدًا.

في رأيي، استمرار الإيمان بفكرة الله يغذيه شعورنا بالوحدة، فالرب لا يترك رعاياه، ندعوه فيستجب، أو يؤخر الاستجابة لأنه يعلم ما لا نعلم.

أتذكر جملة جاءت في فيلم (فيلم ثقافي) للمخرج محمد أمين: \”من حق كل الناس تصحى تلاقي ناس جنبها\”، فتعجبني صياغة الفكرة الذكية. لكنني بعد تفكير طويل أعرف أنه حتى الذين يستيقظون بجانب أحدهم يعيشون ساعات طويلة من الوحدة والألم.

ربما وصلت للنيرفانا، لكنني بت أكثر تصالحًا مع فكرة أنني وحيدة، يتخلل الأمر بعض نوبات الغضب الليلي حين أسمع ضحكات جيراني، لكن أدرك أن وسط الضحكات وحدة، فأهدأ وأنام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top