\”الأدب الحقيقي عن الفاشلين دائمًا\” هكذا يصف إمبرتو إيكو الكاتب الإيطالي الأدب، يستشهد إيكو بما كتبه دوستويفسكي وأبطال رواياته الخاسرين. فالأدب الجيد لا يتحرج أن يكون بطله فقيرا معدما متعثر دراسيًا، يعاني من إعاقة ما، يتآمر عليه الكون ليزداد بؤسه. لا أتذكر رواية جميلة تحدثت عن النجاح أو الأمل في الغد، فلابد أن تكون عقدة في السياق حتى تبنى الأحداث. أما ذلك الأدب السعيد في وجهة نظري المتواضعة لا يصلح سوى قصصا نحكيها لأطفالنا قبل النوم لنخبرهم أن كل الأشياء جيدة. نتركهم ليكبروا ويعرفوا أن الحياة غير عادلة وغالبًا ست الحسن والجمال التي تتزوج الشاطر حسن ستشكو مر الشكوى من الفقر.
الأدب الجيد يحكي دائمًا عن الخسارة، فحقيقة لا يوجد ما هو ممتع في قصة شخص ناجح بل لا يوجد ما يقال من الأساس. ربما قصص النجاح مكانها محاضرات التنمية البشرية التي تعطي غاز الأمل لليائسين، الذي يتطاير قبل وصولهم لمنازلهم. أما قصص الخسارة فمكانها الأدب، وليس الهدف منها أن نجد أنفسنا فيها، أو نخفف أوجاعنا بها، فحياة الآخرين ليست عبرة لنا، فالآلاف لا يعانون من أجل أن يتعلم الآخرون من أخطائهم، فقط هم يتألمون لأن ذلك قدرهم وذلك هو الطريق الذي يجب أن يسيروا فيه.
في رواية \”يوم رائع للموت\” للكاتب الجزائري سمير قسيمي، يحكي الكاتب عن قصة صحفي يائس يحاول الانتحار وينجو بصدفة عجيبة، يبرز الأمل للبطل وتبدو كل مشاكله على وشك الحل، حتى يموت مخنوقًا بحبة مكسرات تقف في حلقه في نهاية الرواية، ولا يفكر البطل في النهاية سوى أنه يموت في يوم ليس رائعا للموت. لا يتحدث عن الأمل الضائع، أو حكمة الموت.
البحث عن حكمة الأشياء يقتلها، فمن الممكن أن يرى أحدهم رواية \”يوم رائع للموت\” تهدف لتبجيل الحياة وتعاقب من يحاولون الانتحار بالموت، لكن في الحقيقة ليس في الأمر حكمة، فالبطل يموت لسبب تافه ولا يعكر صفوه سوى أن اليوم ليس جيدا للموت. دائمًا ما نجد من يتحدث عن سبب إصابة طفل بمرض عضال كون والده شخصا سيئا يستحق ذلك، ضاربًا بذلك مثالًا لعدالة السماء، مع أن نظرة واحدة لهذه الحجة سنجد أنها أبعد ما تكون عن العدالة، فالأطفال لم يأتوا للعالم لدفع ثمن أخطاء آبائهم. هم يمرضون لأنهم يحملون جين المرض. أما كان الأوقع أن يمرض الشخص نفسه. وإذا مرض الشخص عقابًا لكونه شخصا شريرا فكيف نفسر وجود أشرار يتمتعون بصحة جيدة وأطفال أصحاء وأموال طائلة. أم أن العدالة الكسيحة التي تعاقب الأب بأبنائه لم تر هؤلاء بعد؟
ومن منطلق الحكمة، يظن البعض أن للفن رسالة معينة يجب أن تصل للجموع، لكن لا أحد يدرك أن المبدع لديه أشياء يريد أن يقولها وقد لا يقصد بها هدفا معينا، هو فقط يحكي الحكاية للعالم، الحكاية التي هي أهم ممن كتبها ومن نجاحه الشخصي. لكن مازال هناك من يقرأ كتابًا أو يشاهد فيلمًا وينتظر أن يذّكره أحدهم بالعبرة، وكأننا مازلنا تلاميذ في الابتدائي نقرأ في نهاية الدرس الدروس المستفادة، فالكاتب ليس حكيم زمانه وليس الخضر الذي يوضح مغزى القصة والقاريء لا يجب أن يكون موسى الذي ينتظر دائمًا تفسير ما حدث.