الإنسان المتمرد هو الإنسان الموجود قبل عالم القدسيات أو بعده، والمنهمك في المطالبة بوضع إنساني تكون فيه كل الأجوبة إنسانية، اعتبارا من هذه اللحظة يكون كل تساؤل، كل كلام.. تمردا. أما في عالم القدسيات فيكون كل كلام.. حمدا وشكرا.
في البداية ستبحث في الأدب بين الشعارات الوردية والمقولات الرنانة والإجابات التي أعدت وصاغت لمفاهيم قدمت لك عن سابق فهم وتجربة.
لكن التجربة دائما ما تحملك بالأسئلة، التي تولد صياغات لرؤى جديدة واستمرارا لزعزعة أفكارك وصراع الثوابت بداخلك!
اعتبر ألبير كامو من أكثر الكتاب الثوريين، ربما لا يكون صاحب أكتر الشعارات المتداولة المحفزة على الثورة أو المقولات التي تدعو للتمرد وتصيغه بشكل مباشر.
لكنه أكثر كاتب ثار على نفسه، على المفاهيم المفروضة عليه والأسئلة المطروحة في زمنه.
يقترب من كل المفاهيم والأفكار عن بعد، يضرب بعمق ويبتعد فور ما تشعر أنك اقتربت على الفهم، لتعاود التساؤل من جديد.
أدبه يطرح الأسئلة – ليست الأسئلة المطروحة من قبل، ولكن أسئلة نابعة من نقد مستمر للعالم حوله- ويفنط الفرضيات أمامك، يبحث عن ماهية التمرد، لماذا نبرر القتل ولا نبرر الانتحار؟
ما هي آليات تبرير القتل؟ ما قيمة الإنسان عند الإنسان؟ وما قيمة الوجود؟
وهو لا يبحث فقط عن مجرد إجابات تسد ثغور التساؤل، بل يبحث عن منطق إنساني لها يُقدس حياة الإنسان، لذلك سُمي بـ\”الضمير الحي\”.
فكامو التمرد عنده، وجوده ضرورة حتمية، يقترن بالإنسانية، بل بالوجود الإنساني ذاته.
“أنا أتمرد إذا نحن موجودون”
والتمرد عند كامو ليس مجرد مطالبة فردية بالحقوق، وتعبير عن رفض مساس الذات، بل إن هذه المطالبة تتجاوز الأنا، لتعبر باقي الذوات، فالألم النفسي يتحول لألم جمعي ومن عانى الحرمان من حق، أراد ممن عانوا نفس المعاناة أن يهبوا للمطالبة بحقوقهم.
أكتب تلك الجملة في يوم، موازي له منذ خمسة أعوام، عرفت المعنى الحقيقي لها، في الخامس والعشرين من يناير.
كنا نكتب ونحلم وندعو للثورة في عالم كانت فيه الدعوة للتمرد دعوة كبيرة للسخرية.
يوم أن عرفت أن الكتلة النوعية هي التي تحرك الكتلة الكمية، فتمرد الفرد يخلق تمرد الجمع، فسمعت رعشة الهتاف الأول، ورأيت بعيني الناس وهي تملأ الشوارع.
ويناقش كاموا أكبر مخاوف المتمردين: (حتى لو) ماذا لو كنت على خطأ؟ فيمجد كامو الجرأه على التمرد والإصداح بلا، بصرف النظرعن صحة ما يبني عليه تمرده.
”إن سخطي باقٍ حتى لو كنت على خطأ” على لسان أيفان – وهو إحدى شخصيات ديستويفسكي.
ويناقش كامو معنى الحرية، والتي تقوم على أساسها كل الثورات وحركات التمرد.. حرية من أجل ما؟ حرية من ماذا؟ وحرية إلى أي مدى؟ حتى لا ننسى في المعركة السبب الذي قامت من أجله المعركة، وتصبح الحرية.. ما هي إلا حرية القتل والعنف.
الحرية، هذا الاسم الرهيب المكتوب على مركبة العواصف، هي في مبدأ الثورات كلها.. بدونها، تتراءى العدالة للعصاة غير قابلة للتصور. ومع ذلك، ثمة وقت يحل، تتطلب فيه العدالة إيقاف الحرية.. حينئذ يتوج الإرهاب الثورة، بسيطا كان أم كبيرا.. كل تمرد حنين إلى البراءة، وحنين إلى الكينونة، لكن الحنين يحمل السلاح ذات يوم، ويأخذ على عاتقه الوزر التام، أي: القتل والعنف.
كل الثورات أدت إلى تعزيز سلطة الدولة.
تلك الجملة، هي مفتتح معرفتي ونافذة قراءتي لأعمال كامو، ونقطة تحول في نظرتي المعتادة للثورة، فعاصر كامو حربين عالميتين، وثورات عمقت تجربته الفكرية وبدلت أبعاد فلسفته.
كفر بالنهايات السعيدة، وعرف أن الثورات التي لا تكتمل ثابتة على المبادي التي قامت من أجلها، تنقلب على من قاموا بها، وتصبح سلاحا في يد الثورة المضادة.
بعض الإقتباسات من أعمال ألبير كامو:
”إن هذا المتمرد نفر حتى من الثورة، ولاسيما من الثورة كي يكون المرء ثوريا، ينبغي له أن يؤمن بشئ ما، وذلك حيث لا يوجد شئ يؤمن به” ستيرنر
إن القانون العسكري يعاقب العصيان بالموت وشرفُه العبودية وحينما يكون الجميع عسكريين تكون الجريمة في امتناع المرء عن القتل إذا كان النظام يتطلب ذلك.
كل ثوري في نهاية الأمر طاغية أو منشق.
الموت من أجل الفكرة هو الطريقة الوحيدة لأن نصبح على قدر الفكرة\”، (مسرحية العادلون)
و حسن الختام:
الحقائق الأولية هي آخر ما نكتشف.
من هو ألبير كامو؟
ألبير كامو ( 7نوفمبر 1913 – 4 يناير 1960).. فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي – جزائري.