دعاء فاروق تكتب: ماتسرسبيش يا سنيننا من بين إيدينا

 

\”ماتسرسبيش يا سنيننا من بين إيدينا.. ولا تنتهيش ده إحنا يا دوب ابتدينا\”.. هو الكلام بتاع الأغنية دي، حلو مفيش كلام، لكن – يا خسارة- ياريت السنين بتسمع الغناوي وبتعمل بكلماتها، كنت هغنيلها: ارجع يا زمان حن يا ماضي.

ليس لأن الماضي كان ورديا مبهجا وكنا في أحسن حالاتنا، بالعكس.. ده أنا لما بشوف شكلي بالإيبوليتات، وشعري اللي كان مقصوص قصة الأسد، والبنطلونات الجينز اللي كان وسطها سارح لفوق في طريقه لزوري، ثم ينزل من الوسط بنفخة كدابة كلها بليسيه وكسر – بضم الكاف وفتح السين- وبعدين ينزل مزموم عند القدم، فتجد أن رجل البنطلون شبه البالونة الطويلة اللي بينفخها المهرج في السيرك، مع شوية رتوش بقه.. رووج نبيتي.. ماسكرا موف.. شنطة بجنزير طويلة متعلقة على الكتف، وواصلة للركبة!

الحقيقة إن الصورة اللي من الماضي دي، ببقي عاوزه اتاويها في أي درج، خوفا من إن أي عيل من عيالي يلقطها ويجرسني على منظري الذي لا يرقى لشياكة وأناقة الدادا بتاعته.

وطبعا مش هتكلم على صور بابا، بموضة ستيف قلة وجيمي كاسارولا، اللي كانت دارجة ساعتها، حيث الجواكت الحرير أم سوستة.. المشبحة ألوان في بعض، كأنه وقع في جردل بويات يوتن مع شبح شنب ناعم وقصة شعر من قدام عاملة زي التاندة، احتمال تخرج من الصورة تاخدك بالحضن.. مفيش داعي افسر أكتر من كده، عشان بابا مايعورنيش.

ده بالإضافة إلى صورنا في الصيف داخل بيوتنا، وقطرات العرق ثابتة على القورة راكور، حيث التكييف كان خيال علمي، أو ممكن كنت تشوف تكييف شباك في أفلام نادية الجندي فقط.

وفي الخلفية الكاسيت أبو بابين اللي لسه واصل من السعودية طازة، وتسمع فيه أغنيه لولاكي.

يعني كومباينيشن يجيب مغص أساسا.. صحيح جو، \”ليت الشباب والطفولة تعود يوما\”، ده حلو طبعا، بس برضه مش هنستحمل الحر بالمروحة أم صوت عامل زي الكراكة، ولا هنستحمل التلفزيون أبو قناتين، وكمان بيقفل من واحدة لأربعة، وتقعد مجبور تنقي رز أو تتعلم كروشيه!

إنما يعني ممكن تروح تقضي يوم هناك من باب الفرجة على أجواء فيلم ثمانيني من نوعية أفلام \”ضربة شمس\” و\”خرج ولم يعد\” لمحمد خان، والذي بدت فيهما الشوارع على حقيقتها في القاهرة وفي الريف.

ومن باب الحنين لريحة طشة الملوخية يوم جمعة وتتر الشيخ الشعراوي بيخلص والفيلم العربي الأبيض وأسود هيبتدي، ولمتنا قدام التلفزيون بربطة المعلم، من أكبر راس لأصغر عيل بيعمل على روحه، في انتظار جناب السفير أو إسماعيل يس في الأسطول، حيث إن أوبشن خروجة يوم الجمعة الإجباري ده ماكانش موجود، ويوم ما نخرج يوم جمعة، يبقي زيارة عائلية أو فسحة سنوية مرة في السنة، نعيش عليها لغاية السنة اللي بعدها.

إنما لم نكن نحلم بجو المولات وفرقعة الفلوس في السينمات، وآيس كريم البولة بـ ٣٧ جنيه.. تقريبا كان مرتب أمي الحاصلة على البكالريوس، في الثمانينيات، وأبصر فايف دي وسفن دي وناين دي! وحتة خن وركنة ملاهي في كل سوبر ماركت!

تبقى رايح تجيب رز ومكرونة، تلاقي نفسك بتركب العيال الفناجين الطائرة!

وسبحان الله.. كيس الملوخية المجمدة، ممكن يقعد في الفريزر بالشهر وماتنولش طشة الملوخية يوم جمعة أبدا، لأنك عامل دييل مع مطاعم الوجبات السريعة كل يوم جمعة، إنك تدفع لهم تمن خمس وجبات كوليسرول وتصلب شرايين.

لم نكن مرفهين.. حتى افضل الناس حالا، فالإمكانيات في الثمانينيات وقت طفولتنا، لم تتح لنا كل هذا الترفيه بهذا السفه الذي يعيشه أطفالنا.

والآن.. حتى أقل الناس حالا، يلعب بالموبايلات والألعاب الإلكترونية والبلاي ستيشن بصابع رجله، بينما أفضلنا حالا – كان كبيره – ينزل يأجر ساعتين على ترابيزة بينج بونج في جراج إحدى العمارات.

إنما يبقى الحنين لتفاصيل لا تقدر بمال.. يبقى الحنين لأسرة لم تكن مفككة، مثل أكثر الأسر ارتباطا الآن، فكل فرد منهم مدلدل رأسه في موبايله، ومسافر بره بيته، وهو في قلب الصالة.

يبقى الحنين لفرحة بلبس جديد كفرحة جون أبو تريكة الذي يقلب النتيجة في آخر دقيقة في ماتش مغلوبين فيه.. مش البرود والبتر اللي العيال بيستقبلوا بيه لبسهم الجديد، وأنا بس اللي ببقى فرحانه زي الهبلة وعمالة اقول: الله.. إيه البنطلون الحلو ده؟! إيه البلوزة الشيك دي؟!

وطبعا.. باكلم نفسي، وباضطر اشحت شكرا بقى.. إلا مفيش شكرا يا ماماه على الحاجات الجديدة اللي أنا جايباها؟!

فاسمع الرد ببرود منقطع النظير: خلاص يا ماماه.. هي صورة؟! ما قلنا لك شكرا.. أنتي جايباهم من أسبوع!

أيوة.. إحنا كنا بنشكر أبويا على الحاجة الجديدة لمدة سنة.. كل ما نلبسها، يقولنا: الله.. إيه الفساتين الشيك الحلوة الجديدة دي!.. ويتكى على كلمة \”جديدة\”، عشان مانحاولش نطلب تاني، فنروح نبوسه ونقول له: شكرا يا باباه.

يبقى الحنين لقناعة ورضا وراحة بال، قلما نجدها حتى وإن اعتمرت جيوبنا بمبالغ وأرقام، لم نكن نتخيل أننا سوف نملكها في يوم من الأيام. يبقى الحنين لأجواء مصاحبة لزمن لن يعود، حتى لو قمنا بتعلية صوتنا وندهنا عليه بعلو حسنا: ارجع يا زمااااان.. حن يا مااااضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top