دعاء سلطان تكتب: وحياتك يا نادين

\”وذكّر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين\”.. كتبت هذا المقال منذ عام مضى عقب وفاة كاتبة السيناريو.. صديقتي نادين شمس، ولم يأت حقها حتى الآن، رغم كل الاهتمام الإعلامي، ومازالت قضيتها منظورة أمام المحاكم، وها أنا أذكركم مع حلول الذكرى الأولى لرحيلها، بأن حقها لم يأت بعد، لا هي ولا غيرها من الآلاف من مرضى مافيا الإهمال والفساد الطبي في مصر.. إليكم نص المقال:

نادين شمس.. سمع وقرأ الكثيرون قصة وفاتها، لكنهم لم يعرفوا كيف عاشت.. استكثر البعض أن نهتم بها لأنها قتلت بسبب أخطاء أطباء منحطين، فى مستشفى هى للمقبرة أقرب، ولم يفهموا لماذا نحارب من أجلها إلى هذه الدرجة!

مفهوم جدا.. ففى بلد أصبحت أخبار السحل والتمثيل بالجثث بعد القتل، أخبارا عادية، من الطبيعى أن يصبح اهتمام بعض الناس بمقتل شابة في عمر الزهور جراء خطأ طبى، أمرا غير مهم.

عندما تشيع فحشاء القتل والدم في مجتمع ما، يصبح الموت خبرا عاديا لا يشغل بال الناس، لكن –والحمدلله- مشهد الموت لا يزال مرعبا لدى البعض حتى الآن.

نادين شمس.. تلك التى تقولون إننا نهتم بخبر موتها أكثر من غيرها، كنتم ستشاهدونها – لو كانت بيننا الآن – في أول صفوف الدفاع عن حياتكم وعن حياة من كانوا على طرف النقيض من أفكارها.. كنتم ستخجلون من أنفسكم أمام دفاعها عن وجودكم واستمرار تدفق هرائكم.. لأنها كانت مؤمنة بالإنسان كيفما كان وحيثما كان.. ألا تخجلون؟! لكنها ماتت للأسف.

كلما كتبت أو كتب أصدقاء نادين حرفا عن قضيتها على فيس بوك أو تويتر أو في أي مطبوعة، يخرج لنا أعداء مفترضين لواحدة ماتت وتركت لهم الحياة بكل ما فيها، ليسألونا، وكأنهم قد أفحمونا: \”إشمعني هي يعني اللي بتتكلموا عنها؟! لأنها مشهورة؟! ما هو فيه مليون واحد مات في مصر بسبب الاهمال الطبي ومحدش سأل فيه.. كل ده عشان هي صاحبتكم؟!\”

حسنا.. أود الآن أن أرد على أسئلتكم.. نادين لم تكن مشهورة، وموضوعي الذي كتبته منذ سنوات عن فيلمها الأول \”إحنا اتقابلنا قبل كده\”، وتم نشره، لم يعجب أحدا لأنني ركزت على الكاتبة بدلا من التركيز على الفيلم! كما أنها فضلت العمل ضمن ورش ومجموعات، ولم تحبذ أبدا أن تكون صاحبة الورشة أو قائدة المجموعة، ونعم نتناول قضيها لأنها صاحبتنا، فهل اهتممت أنت بقضية صاحبك أو ابنك أو قريبك، وقررت أن تحارب لأخذ حقه ممن سلبوا حقه في الحياة؟

نعم.. نادين التي ماتت كانت مشهورة – يا سيدي- ومحظوظة، لأن لها زوجا وفيا وأصدقاءا مخلصين صادف أن بعضهم من الصحفيين والإعلاميين.. بئس الشهرة التي تلومها عليها، وبئس الحظ الذي تحسدها عليه.. ويا لفقرك وبؤسك أنت شخصيا.. فمن تحسدها ذهبت إلى القبر يا أستاذ ويا مدام.

نادين شمس التي تلوموننا لأننا نهتم بقضيتها أكثر من غيرها، كانت مفعمة بالحياة جدا، ويا سيدى المتحفز المحتقن بسبب اهتمام الكثيرين بقضية نادين.. هى كانت إنسانة رائعة.. لم تؤذ أحدا قط، وكانت بريئة جدا ومحبة ومتفهمة حتى للمختلفين معها، وصادف أن أوقع الله هذه الكائنة الرقيقة في يد من لا يرحم من أطباء هم إلى التجار أقرب، فماتت بين أيديهم وبعلمهم، وصادف أن التي ماتت هى نادين التى نعرفها، وصادف أن زوجها لم يفرط في حق حبيبته، وقرر أن يقسو على حبيبته وعلى نفسه وأن يوافق على تشريح جثتها، وصادف أن له أصدقاءا يقفون إلى جواره ليأخذوا حق حبيبته التي هي صديقتهم وحبيبتهم.. وصادف أن الإعلام يساند قضية نادين.. ما مشكلتك الآن؟!

يا سيدى المستاء من اهتمامنا بقضية نادين شمس، ربما كانت قضيتها فتحا لملف الاهمال الطبي في مصر الذي راح ضحيته الآلاف، وربما كانت مطالبتنا بمعاقبة من سلب حق نادين في الحياة – الذي سنأخذه بإذن الله- بداية لكل مطالب للحق في الصحة والعلاج الآمن في مصر، وفاتحة لمعاقبة كل طبيب مستهتر ومهمل في حق مريض استجار به ولم يجره، بل أرسله إلى القبر.

نادين شمس ماتت بسبب أخطاء أطباء \”إسماعيل أبو الفتوح وخيري صابر\” في مستشفى مصر الدولي.. وقد سلمتهم نفسها لتعيش، لكنهم قتلوها، وكم من طبيب فى مصر قتل مريضا استجار به.

نادين شمس التي ماتت بسبب استهتار واهمال أطباء وتجار، هي البداية لنزع حق كل مريض مات بسبب من يستهترون بحياة البشر.

انتبهوا لقضيتها لأنها قضيتنا جميعا.

اقول: وحياتك يا نادين حانجيب حقك.. وقولوا أنتم: وحياة كل اللي ماتوا على يد من يستهترون بحياتنا جميعا.. لن نموت وسنقتص منكم لأنكم فشلة ومتبلدين ولامبالين بحياتنا وحياة أحبائنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top