دعاء الشامي تكتب: يقولون إنك مت!

يقولون إنك مُتّ..

متى وُلدت!

متى عشت!

متى رويتنا من غدير عينيك!

متى رحلت!

يقولون إنك مت؟! وكيف هذا وكنت تملأ المجالس صخبا وضحكا وبهجة، تزينها بجلستك الواثقة وحكاياتك التي لا تنضب.. تحكي عن هذا وتضرب مثالا عن تلك وتخبرنا عن آخر ما قرأت وأطرف من قابلت.. نجلس جميعا في استمتاع، أو قل اندهاش.. نستمع إليك حكاء من طراز فريد، فلا أنت تمل الكلام ولا نحن نشبع منه، فقل لي كيف سكت!

كيف مت، وكل تلك الصور مع الجميع تتحرك هنا وهناك لتسرد رواية عشقك للناس وشغفك بالتعرف عليهم دونما أي شروط أو قيود مسبقة، فها هو صديقك السياسي المرموق، وذلك المستهتر، وهذا البسيط، وتلك الفتاة.. تبدو عليها علامات الإعجاب بك، وذلك الذي يكبرك بضعف سنين عمرك.. ينحني احتراما لك، وذلك الذي يختلف معك يصافحك بحرارة لشجاعتك، فأين اختفيت؟!

متى ولدت؟!

يقولون إنك مت صغيرا، لكن هل كانت لحظة ميلادك تلك التي دونوها في اوراقك، فقلبي يحدثني أنك ولدت قبل عشرة سنوات فقط، عرفنا فيها بعضنا البعض، تعرفنا خلالها على كل شيء.. حتى تلك التجارب القاسية لم تترك أثرا علينا، رحلت ببساطة كتلك الطريقة التي اعتدت أن تقنعني بها بكل ما تريد، فكيف لقلب أمثالك أن يهزمه الوجع، وكيف تصارع موتك وحدك هناك بعيدا! أم أنك ولدت لحظة الرحيل؟!

متى عشت؟!

في تاريخ معرفتي بك، كنت حاسما في كل ما يخص الوقت.. تنافس نفسك في استباق الثواني، تراهنها على إنجاز كل ما يمر بخيالك، وقد ربحت الوقت، أبدعت كثيرا، صنعت من الأفلام كثيرا، أخذت بيد الكثيرين، وقبل كل هذا بقيت وحدك كثيرا تفكر في أشياء لم تقلها أبدا، أو ربما قلتها ولم أفكر في جديتها وقتها! فمتى عشت؟

متى رويتنا من غدير عينيك؟

عايشتك من عمرك ثلثه، لكن.. أحقا حدث هذا، ففي كل تلك السنوات رأيتك طيفا تمر بسرعة خاطفة، تمشي بخفة وتحكي بسرعة وتفكر بسرعة وتأكل بسرعة، وتلحظنا حولك أشباحا تتحرك.. نسرق من الأيام لحظات خاطفة، فهل كنت تعرف أن الوقت حان، أم كنت تدرك أن التعلق صعب التدواي، فآثرت الجفاء؟!

متى رحلت؟!

حدثني قليلا عن توقيت الرحيل هل رحلت في تلك اللحظة التي أبلغوني فيها بخبر غيابك، أم أنك خدعتهم كعادتك ورحلت قبلها وحيدا كما كنت تشعر قبل غيابك بأيام؟ أتعرف أنني ليلتها لم أنم، لازمت الفراش من دون سبب سوى إحساسا قويا بالانهيار.. مرت الساعات بطيئة وموجعة رغم تأكيدهم أنك بخير، وصدقني لم يمر بخيالي أن ترحل.. فمتى رحلت؟!

هل تألمت؟!

هل خفت؟!

أم تراك استسلمت؟!

وكيف ترحل وحيدا وتترك كل أشيائك التي تحب؟!

كيف مت هكذا بلا وداع يليق، فهل لك أن تعود وأقلع أنا عن قسوتي تلك؟!

الأبيات من رثاء محمد بن راشد لابنه البكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top