حسام علوان يكتب: دب برلين لجعفر بناهي.. والسينما المصرية بين المحلية والعالمية!

طبعا عنوان المقال يحسسك إننا هنتكلم في موضوع تقيل.. بس هو في الحقيقة موضوع بسيط, بس بالنسبة للناس اللي مابتفهمش، هو موضوع صعب!

الموضوع ببساطة، إن فيه ناس من المتحكمين في صناعة السينما في مصر بيقرفونا كل فترة بتصورهم إن عدم قدرة السينما المصرية أنها توصل للعالمية، مرتبط بضعف الإمكانيات, وأنه عشان نوصل للعالمية لازم نقدر ننتج أفلام زي أفلام هوليوود.. متكلفة فلوس كتير جدا, وعشان نردع الناس دي ونبسط مفهوم العالمية، لازم نقول إن وصول فيلم للعالمية، معناه إن الفيلم يجيله فرصة عرض وتوزيع عالمي, ودا ممكن من خلال إنك تكون هوليوود.. بتعمل أفلام وراها أكبر ماكينة دعاية وتوزيع في العالم, أو في حالة الدول الغلبانة، من خلال العرض في المهرجانات الكبيرة اللي بتجذب الصحافة والموزعين ووكلاء البيع في مكان واحد. وبعيدا عن رومانسية النظر للعرض في المهرجانات الكبيرة، فمخرج السينما الفرنسية الكبير جان لوك جودار اللي رغم عدم حبه للظهور.. له رأي إن أهمية إن فيلم يتم اختياره للعرض في مهرجان زي كان أو برلين، هي إن الفيلم بيتعمله تغطية صحفية في تلات تيام، تكفيه دعاية طول السنة.

وبالمعنى ده ممكن يتعمل فيلم إيراني يتكلف عشر تلاف دولار ويتعرض في مهرجان برلين أو كان، فايتعمله دعاية ضخمة ويتوزع ويتقرصن ويتشاف في كل العالم، ويبقى فيلم عالمي, وممكن تعمل فيلم يتكلف عشرميت مليون دولار، ومافيش مهرجان يرضى يعرضه ويتعرض في مهرجان الإسكندرية، ويبقى فيلم محلي زي الفل.. مالوش ميتين لازمة في سياق العالمية اللي اتعمل عشانه.

 

 

 

أبسط مثال على اللي باقوله، هو فيلم \”تاكسي\” للمخرج الإيراني جعفر بناهي، اللي فرحت فرح الدب، إنه حصل على الدب الذهبي لمهرجان برلين السنة دي.. صحيح أنا حبيت الفيلم لما اتفرجت عليه في المهرجان، لكن ماكنتش متخيل إن فيلم اتكلف عشرة صاغ، ممكن ينافس أفلام اتكلفت ملايين الدولارات.. بس واضح إن الإبداع هو اللي بينتصر في النهاية.

فيلم \”تاكسي\” بيعتمد على كاميرات صغيرة مخفية، أو كاميرات موبيل متوزعة، بحيث إنها تعكس الزوايا المختلفة للتاكسي اللي بيسوقه جعفر بناهي بنفسه شخصيا.

من ناحية تقنية صنع الفيلم، فهي ممكن تكون أقرب لتقنية برامج الكاميرا الخفية, لكن في اعتقادي.. اللي بيخلي الفيلم متماسك، هو قدرته على عكس الواقع الإيراني من ناحية، وقدرته على إنه يكون أشبه ببيان سياسي ماكر من ناحية تانية عن الحياة الايرانية، والحقيقة إن جرأة جعفر بناهي على عمل فيلم متصور بكاميرات غير احترافية، بتحسس الواحد إزاي إن المبدع السينمائي الحقيقي، قادر على الإبداع، حتى إذا اتفرضت عليه كل القيود واتحرم من كل الأدوات, لأن إبداعه في النهاية، هو موقفه من العالم. في المقابل الفيلم بسيط.. بس بيوصل للقلب، زي فيلم بناهي.

المشكلة العويصة للسينما المصرية واللي قايمين عليها، هي إنهم لسه عايشين في أوهام هوليوود الشرق، وعاوزين ينافسوا هوليوود, وبيتعاملوا بتجاهل واحتقار للمنظومة المعاصرة للإنتاج والتوزيع، وعلاقتها بالمهرجانات, فبيتنسى في ضل الفلوس اللي بتترمى ع الأرض، إن السينما إبداع ومش فلوس وبس, وبتتعمل أفلام فيها فلوس وممثلين وكاميرات, ومناسبة تماما للعرض المنزلي.. طب إيه المشكلة؟ ليه مش عارفين نوصل للعالمية، مع إننا مابنبطلش محاولة؟!

 

من فترة كنت بافطر مع مبرمج الأفلام العربية لمهرجان برلين, وسألته عن السؤال المحير: ليه السينما المصرية وجودها شبه منعدم في مهرجانه؟

فكانت إجابته إنه بيشوف كل الأفلام المصرية اللي بيقدر يشوفها.. سواء بتتبعت له، أو بيطلب يشوفها من منتجيها أو مخرجيها, وإن بالنسبة له السينما المصرية ريحتها كلها فلوس.. بس الإبداع فيها قليل.

وده كان رد بيعبر عن عمق المشكلة.. مشكلة وصول السينما المصرية للعالمية.

\”إذن\”.. مشكلة إبداع، مش مشكلة فلوس, والإبداع لا يشترى بالفلوس, وبالتالي الفلوس مش كفاية إنها تشتري العالمية، بدليل إن السينمات الإيرانية والهندية والفليبينية والتايلاندية والتشيلية وغيرها، قدرت توصل للعالمية بأفلام قليلة التكلفة، بس فيها إبداع كبير.

 

طب إزاي نحل المعضلة دي؟! نحلها ببساطة إننا نعمل أفلام فيها ابداع، حتى لو قليلة التكلفة, ونبقى من البداية بنبني للأفلام دي مستقبل في منظومة العرض والتوزيع العالمية.

إزاي ده يحصل في ظل المنظومة الموجودة اللي عاوزة توصل للعالمية بس المعادية للإبداع بكل أشكاله؟

في رأيي محتاجين معجزة, لكن عمل أي فيلم رائع، في النهاية هو معجزة جميلة.. زي معجزة إننا عايشين وبنتفس وبنفكر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top