في بلادنا، تطورت مقولة \”ابحث عن المرأة\”، لتصبح \”ابحث عن المرأة عشان تفضحها\”، فالقاعدة معروفة، إذا كانت هناك خصومة أو خلاف بينك وبين امرأة فلتشكك في أخلاقها وتنهي هذه المعركة بالضربة القاضية، أما إن كانت الخصومة بينك وبين رجل \”جيب سيرة\” أي ست في حياته واضربه في مقتل.
بالطبع ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي، مع عدم التزام الكثير منا بإجراءات الحماية اللازمة، في تسهيل المهمة، فعندما تختلف مع أحدهم أو إحداهن ما عليك إلا الذهاب للصفحة الخاصة به/بها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي و\”عيش بقى\” مع صورهم الشخصية وحياتهم الخاصة.. الصور الفوتوغرافية سلاح لا يكذب من وجهة نظر الفاضح، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
طبعا عندما تستهدف النساء بشكل مباشر، ليس هناك أسهل من التشكيك في أخلاقهن عبر إشاعات أو صور أو تفاصيل شخصية، رغم أن الخلاف عادة ليس له أي علاقة بأي موضوعات خاصة، فأغلب الأمثلة كانت خلافات سياسية ومهنية، فما دخل الحياة الشخصية لهذه أو تلك في خلاف فكري أو سياسي.
مثلا اختلف مع ريم ماجد، فابحث عن صورتها بالمايوه وانشرها على صفحتك.. انشغل بالتأكيد على سوء أخلاق \”سيدة المطار\” وابحث في صحفتها الخاصة عن صور بملابس كاشفة أو صور بكاسات مرفوعة.. ما أسهل المهمة إذا ما كان الخلاف مع ممثلة، فلا داعي للبحث، فقط انشر صور من أفلامها، ليس هذا فقط، اطبعها، وقم بتلفيق بعضها، وانزل بها في مظاهرات تجوب الشوارع، عشان الجرسة تبقى علني، وهو ما حدث مثلاً مع الممثلة إلهام شاهين.
طبعا نشر صورة الهدف بالمايوه كاف لأن تقوم الدنيا ولا تقعد، وكأننا لا نعلم أن في بلادنا شواطئ وأماكن سياحية يرتدي فيها الرجال والنساء ملابس البحر، وبصرف النظر عن وجهة نظر هذا أو ذاك في نوعية هذه الملابس، لكنها في النهاية تندرج تحت فكرة الحرية الشخصية. فأنا وأنت كمواطنين تحكمنا قوانين هذه الدولة، وهي لم تجرم حتى الآن، ولله الحمد، ارتداء المايوهات، لأنه كما ذكرت يندرج تحت بند الحريات الشخصية. فما الفضيحة هنا؟ الفضيحة هو ما فعلته أنت.. الفضيحة هي التعدي الصارخ على حياة الأفراد الخاصة.. الفضيحة هي انتهاك سيادتك لمبادئ دستور بلادك والذي جاء في مادته رقم (57) أن \”للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس\”.
أيضاً عندما اختلف البعض مع باسم يوسف، تم إدراج اسم والدته – رحمها الله – مرات عديدة في خلافات ومعارك لا تخصها، كما انتشرت صورة له مع سيدة بـ \”المايوه\”، قيل إنها زوجته، وطبعا العنوان: \”فضيحة.. زوجة باسم يوسف بالمايوه\”، وعندما أخطأ وزير الثقافة وأهان إحدى موظفات الوزارة بسخريته من وزنها الزائد، فرح البعض بمقال جاء تحت عنوان: \”عزيزي وزير الثقافة.. كم تزن زوجتك؟\”، وطبعا كده جيبنا سيرة المدام وعلمنا عليه جامد، إهانة ما بعدها إهانة، فمجتمعنا يتعامل مع النساء على أنهن كائنات يجب أن تظل خفية، وعليه فعندما تستهدف رجلا، يكفي ذكر أمه أو زوجته لفضحه وإذلاله، بل في بعض الأحيان يكفي أن تنادي فلان باسم أمه لتحقيره، وهو ما حدث، مرة أخرى، مع باسم يوسف، عندما ناداه أحدهم بـ \”ابن نادية\”.
المرأة هي شرف الرجل، مع أن المنطق هو أن يرتبط شرف كل فرد بذاته وليس بآخر، أن لا تدفع النساء ثمن معارك وخصومات يخوضها الرجال باختيارهم الشخصي.. يعتقد المجتمع أن في إخفاء المرأة هذا نوع من أنواع التكريم، لكن ما يحدث هو أن تخبو أصوات الكثيرات من النساء، أو تظهر المرأة لتكون سلاحا يشهر في وجه الخصم، لتستغل وتقحم في معارك لا تخصها، وتصمت، بلا دفاع حتى عن نفسها.
في كل الأمثلة السابقة استخدمت أخلاق النساء ومحاولة فضحهن وإهانتهن لكسب المعركة، سواء كن طرف في المعركة أم لا.. لا يهم، فقط ابحث عن المرأة.
قد يكون من استباح نشر صور هؤلاء قد ظن أنه هكذا يحمي الأخلاق والفضيلة، ويدافع عن شرف البلاد والعباد، لكن كيف تحمي الأخلاق وأنت ترتكب فعلا منافٍ للأخلاق؟ كيف تدافع عن الشرف وأنت تدير معاركك واختلافاتك بخسة لا صلة بينها وبين أي شرف أو فضيلة؟ الخلاف السياسي والفكري، يبدأ وينتهي عند السياسية والأفكار، لا تمتد يده وعيونه إلى الأخلاق والبيوت والخصوصيات والشؤاطئ، والشرف الحقيقي غير كده خالص، حاول تجربه.. حايعجبك.