استوقفتني مؤخرا حالة من الغضب والعنف شديدي اللهجة ضد مجموعة من النساء اخترن تبني مجموعة من الأفكار، أصطلح على تسميتها بالفيمينيزم/ النسوية.
لم اهتم مطلقا بتصنيف نفسي على أنني فيمنيست/نسوية.. تعنيني الأفكار وليس التصنيف. لكن لا يشعرني التصنيف بالعار أو الخجل أو الرفض كما قد يشُعر البعض من الأخريات.
فكرت قبل الكتابة في تلك اللحظة البائسة التي تجعلك تكتب لتدافع عن بديهيات الإنسانية.. العدالة.. المساواة والتكافؤ في الفرص والأدوار.. هذا ما أعرفه عن النسوية، ولكن بدا لي – مؤخرا- أن الوصمة التاريخية لا تزول مع ازدياد الوعي وفتح قنوات المعرفة على مصراعيها.
كنت اتفهم موقف المجتمع من النسوية في الماضي.. أفكار جديدة لم يعتدها المجتمع.. صورة نمطية عن نساء يكرهن الرجال.. مسترجلات.. معقدات نفسيا.
لكن الآن يمكنك أن تستمع للفيمينست/النسوية وتقرأ مقالاتها وترى صورها على الفيس بوك لتعلم أن ما يدور في خلد البعض ليس له أساس من الصحة خارج خلدهم.
الفيمينست/النسوية ليست بهذا الكائن الخرافي الكاره للرجال.. ليست الكائن الذي أطال أظافره ليقطع بها الرجل إربا إربا.
لكن يبدو أننا لازلنا في حاجة للتوضيح مرارا وتكرارا، علنا نقنع ذاتك بأنها غير مقصودة على الإطلاق عزيزي كاره النسوية والنسويات.
اخترت الرد على بعض المقتطفات التي قرأتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها:
أولا: كتب أحدهم: \”الفيمينست في مصر معناها أنت راجل على نفسك، وأنا أرجل منك.\”!
عزيزي.. نعم أنت راجل على نفسك بنفس القدر الذي أقول به لنفسي أنني امرأة على نفسي، ولا يمنحني كوني امرأة سطلة استثنائية، ولكن دعني أختلف معك.. أنا لست أرجل منك، ولا أريد أن أكون.. كل ما أريده أن يكون لأفعل التفضيل بيني وبينك أساس منطقي، أنت كفرد في المجتمع أفضل مني في هذا وذاك، وأنا كفرد في المجتمع أفضل منك في هذا وذاك. ولكن لا تعتبر رجولتك منحة إلهية أو وسام على صدرك فضلك به رب العالمين على المرأة.
ثانيا: كتب آخر: \”تقول الأسطورة أنهن – يتحدث الكاتب عن الأمازونيات المقاتلات- قمن بقطع أحد أثدائهن ليسهل عليهن حمل القوس والتصويب. تلك الأسطورة ذكرتنى بنساء جمعيات حقوق المرأة والفيمنست من فتياتهن، لو عُرض على إحداهن قطع ثديها فى سبيل الاعتراف أن الرجال كلهم أوغاد يستحقون الحرق لاختارت ذلك بلا تردد، لكنى ألتمس لهن بعض العذر، هذا فى مجمله يرجع الى التركيبة النفسية التى تتحلى بها هاته النسوة\”.
لن أستطيع أن أدعوك بعزيزي، فقط أيها الكاره للنسوية والنسويات، أنا واحدة من \”هاته النسوة\”، وأعلم جيدا أنني وزميلاتي العاملات في المجتمع المدني والمدافعات عن حقوق النساء، لم ولن نفكر في قطع أثدائنا لإثبات أي شئ يخص ذاتك.. لن نفعل ذلك عزيزي إلا إذا ابتلينا بمرض ما يوجب علينا أن نقطع أثدائنا – لا قدر الله – ولكن لن نفعله لنثبت أن الرجال أوغاد، فالأوغاد من الرجال والنساء لا يستحقون كل هذا العناء.
أيها الكاره، كل ما نريده هو تغيير أفكارك المغلوطة عن ذكورتك وأفكار النساء المغلوطة عن أنوثتهن.. تلك الأفكار التي لا تستند لحقائق غير ما أجبرنا المجتمع على قبوله والاستسلام له.
ثالثا: قال أحدهم متحدثا عن الفيمنست/النسوية: \”عايزة تعمل شعرها أحمر.. عايزه تلفت الأنظار\”.
بعد أن كانت الفيمينست/النسوية مسترجلة أصبحت فجأة منبع الفتنة ومفجرة الغرائز؟!
عزيزي.. يندرج ما ذكرته تحت بند الاختيارات الشخصية.. بعض الفتيات يفضلن الشعر الأحمر.. البني أو الأسود.. هذه الاختيارات لم تعلمنا إياها كتب الفيمينزم/النسوية أو نظرياتها، لكن علمتنا إياها مبادئ الإنسانية والحق في الاختيار، وأؤكد لك أنه لا يوجد شكل أو زي موحد للنساء اللاتي صنفن نفسهن على أنهن نسويات.. هن فقط يطلبن منك احترام الاختيار وإن اختلفت معه.
في النهاية لا أنكر بعض المغالاة والتعصب لدى بعض المجموعات النسوية.. نعم هي موجودة بقدر ما قد يتعصب البعض تجاه أفكار ومعتقدات أخرى، كما نجد في السياسة والدين وغيرهما. لكن ما استوقفني هو تعميم هذه الصورة النمطية لتشمل كل المدافعات عن حقوق المرأة. ولم أتفهم ما يضير مجموعة من البشر في أن تحاول مجموعة أخرى من البشر الدفاع عن حقوقها، فوجدت أن التنبيه واجب، خاصة في أيام نجد فيها القابض على حقوقه وحرياته كالقابض على نيران متقدة.