\”أثر العكاز لا يُرَى.. أثر العكاز لا يزول\” (مع الاعتذار للرائع محمود درويش) في بلد تضطهد مفصل الركبة كبلدنا، لابد وأن في عائلتك بضعة أفراد على الأقل يستخدمون العكاز، وربما بعضهم لا يستطيع المشي من دونه ولو لمتر واحد، وهي وظيفة العكاز كما أرادها له بنو آدم منذ الأزل؛ تخفيف الحمل على الساق المصابة لتسير الأمور على خير حال.. هل أنا بصدد أن أكتب مقالا طبياً؟
اطمئن يا صديقي، فلازلت بكامل قواي العقلية، كما أن السماء والأرض لم يتعانقا بعد.. دعنا الآن من سرد الحقائق التي تعلمها بالفعل، ودعنا نبدأ فرضيتنا.. ماذا سيحدث إن أجبرت شخصا ساقاه سليمتان تماما على استخدام العكاز لفترة طويلة؟ أتعلم؟ سينقلب السحر تماما! فجسدك يملك خصلة ليست حميدة تماما، تجعل أي عضو في جسدك تتجنب استخدامه يبدأ في الضعف ليتحول شيئا فشيئا إلى موظف في مصلحة حكومية لم يتناول الفطور بعد.. لا حوجك الله إلى موظف كهذا.
المهم.. اتذكر تلك الساق التي أجبرنا صاحبها على تجنب اسخدامها باستخدام العكاز؟ إذا ألقينا نظرة عليها ستصدمنا بضمور شديد.. شديد لدرجة تجعلها \”حقا\” بحاجة إلى عكاز! وبنفس الطريقة اللعينة.. تولد الفتاة في مجتمعاتنا فيفرض عليها العكاز فرضا! يبدأ الأمر بـ \”الشنط تقيلة، خلي أخوكي يشيلها\”، مرورا بالمدرسة، حين نعلم الطفل أنه \”لو حد ضايقك.. ماتسكتش\”، بينما تتعلم أخته أنه \”لو حد ضايقك.. تعالي قوليلنا\”، وتبدأ ساق الفتاة -التي ولدت بها قوية كساق أخيها- في الضمور.. قليلا قليلا. يكبر الصبي ليصير \”رجلا\”، بما يتطلبه اللقب من حمل مسؤولية نفسه ماديا ونفسيا، ليتمكن من توفير عكاز جيد لزوجته، وتكبر الفتاة لتصير \”امرأةً\” بما يتطلبه اللقب من اتقان فنون الطاعة وفنون الاتكاء على العكاز، الذي سيتحول قريبا من مسؤولية أبيها إلى زوجها الذي ستتكيء عليه ماديا ونفسيا أيضاً.
العكاز يضمن الطاعة؛ فهناك دوما فرصة التهديد بالحرمان من العكاز كما أنه -كما تعلم- أداة مثالية للتهديد أو حتى الضرب عند اللزوم.. هي الآن ألفت العكاز تماما وساقها الضامرة تخبرها بأن لا عيش لها بدونه، حتى إنها لم تعد بحاجة لمن يجبرها عليه، فهي تعتقد يقينا أنها خلقت بساق ضامرة، ومهما كان العكاز رديئا أو مؤلما أو نخره السوس حتى انكسر، حتى وإن راحت تتعثر بسببه مرة تلو الأخرى، ستستمر في الاتكاء عليه، لأن إهانة السقوط بعكازك أمر مغتفر، أما عار العيش بدون عكاز، فهو أمر سيلاحقك بمزيج من الاتهامات والشفقة، لن تدري أيهما أكثر إيلاماً. ستستمر بالإمساك به لأن ألم العكاز لا يتطلب وقتا أو إرادة كألم تدريب ساقك تلك الضامرة حتى تستطيع حملك مجددا.
\”أثر العكاز لا يُرَى\” ولكن أحقا لا يزول؟ هناك طريقة واحدة لاكتشاف ذلك، لكنها -كما تعلمين- قرارك.. ليس قراري، وليس قرار العكاز.