لم تتخذ إسرائيل قرارها النهائي بالحرب حتى مساء الثالث من يونيو ١٩٦٧ في اجتماع لعدد من كبار الساسة الإسرائيليين في منزل رئيس الوزراء ليفي أشكول في القدس، ثم اعتمد مجلس الوزراء رسميا قرار الحرب في صباح اليوم التالي، الرابع من يونيو.
بعد أن أصدر المشير عبد الحكيم عامر قرار التعبئة العامة في مصر في ١٥ مايو، بدأ آلاف الجنود في التدفق على سيناء، لكن أشكول ظل مترددا في إستدعاء الإحتياط لأنه لم يرغب في أن يبدو الأمر ساعتها كما لو كانت الحرب قادمة لا محالة. حاول أشكول الانتصار في تلك المواجهة مع عبد الناصر دون عمل عسكري، لكن مؤيديه وسط كبار السياسة والجنرالات تناقصوا بسرعة في الأيام التالية مع فشل الضغوط الدبلوماسية التي لو استجابت لها القاهرة وتراجعت عن التصعيد لخسرت ماء وجهها، فضلاعن أن القيادة المصرية كما يبدو تيقنت من نصر قادم وقائم على تفوق عسكري مفترض على العدو الإسرائيلى.
ورضخ أشكول لضغطوط رئيس الأركان أسحق رابين ووافق في ١٧ مايو على استدعاء لوائّي احتياط أو نحو ١٨ ألف جندي وإرسالهم الى صحراء النقب على الحدود مع مصر، خاصة بعد ان حلقت طائرتا إستطلاع مصرية من طراز ميج ٢١ فوق مفاعل ديمونة النووي.
وفي ١٩ مايو عقد رئيس المخابرات الحربية آهارون يارييف إجتماعا مع كبار ضباطه لدراسة صور جوية للقوات المصرية أظهرت أن هناك ما يُقدر بحوالى ٨٠ الف جندي و ٥٥٠ دبابة وألف مدفع داخل سيناء بالفعل. وقال يارييف إن نوايا مصر غير واضحة متسائلا “ما إذا كانت مصر تريد مواجهة عسكرية أو كسب بعض الهيبة والمكانة.” وكان اضطرار إسرائيل للتعبئة خطوة باهظة الثمن، حيث يحتاج جنود الاحتياط للعودة للحياة المدنية سريعا لتفادي الآثار الاقتصادية السلبية التي يمكن تقديرها بعشرين مليون دولار يوميا. كان تعداد إسرائيل يزيد عن ٧ر٢ مليون نسمة في عام ١٩٦٧ بينما كامل قوة الإحتياط لديها قرابة ١٤٠ ألف شخص، وكان تعداد مصر يفوق تعداد إسرائيل ١٢ مرة، لكنها كانت أضعف اقتصاديا إذ كان متوسط دخل الفرد في إسرائيل يقترب من تسعة أضعاف متوسطه في مصر. كان يمكن لمصر تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط دون أن يتأثر اقتصادها بشدة، عكس إسرائيل التي كانت معدلات التشغيل فيها أعلى وعدد السكان أقل بكثير. وفي ١٩ مايو، كرر أشكول أنه لن تكون هناك حرب طالما بقى الجيش المصري دون تحركات عدائية داخل سيناء، لكنه ضاعف عدد جنود الاحتياط المستدعين للخدمة وزاد عدد الدبابات على الحدود إلى ٣٠٠ دبابة وأوصى بإعداد خطط لفتح مضايق تيران بالقوة إذا أغلقتها مصر ولتدمير المطارات المصرية إذا تم قصف مفاعل ديمونة النووي.(١)
كان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد اجتمع يوم ٢٨ مايو وقرر منح الدبلوماسية ثلاثة أسابيع على أقصى تقدير بعد خطاب من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون طلب فيه ألا تبدأ إسرائيل الحرب، ووعد بالمساعدة في فتح مضايق تيران.
كان الخلاف حاداً داخل الاجتماع الذي استمر حتى الرابعة صباحا، ثم انفض ليجتمع مرة أخرى بعد عدة ساعات للتصويت. وصوّت تسعة وزراء لصالح شن الحرب في مواجهة تسعة مثلهم فضلوا مواصلة المساعي الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة. وقررت إسرائيل الإنتظار وإستغلال الأسابيع التالية في ضمان التعاطف الدولي وجمع التبرعات والأموال وشراء مزيد من الأسلحة.
كانت الإدارة الأمريكية قد نصحت مسئولين إسرائيليين منهم وزير الخارجية آبا إيبان الذي عاد من زيارة لواشنطن يومي ٢٤ و ٢٥ مايو التقى خلالها مع الرئيس جونسون بعدم التسرع وانتظار ما ستسفر عنه الجهود الجارية. كانت هناك محاولات عن طريق الأمم المتحدة وأخرى توجه فيها مبعوثان أمريكيان للقاهرة (للتفصيل انظر المقالة السابقة) في محاولة لتفادي اندلاع الحرب. وبعد اجتماع ٢٨ مايو، تواصل ضغط الجنرالات في إسرائيل وخشيتهم عسكريا من تلقي الضربة الأولى مع زيادة جاهزية القوات المصرية في سيناء وقلقهم اقتصادياً واجتماعياً بشأن إستمرار التعبئة العسكرية عالية الكلفة في أنحاء إسرائيل منذ ١٩ مايو، ويبدو أن رئيس الوزراء أشكول سعى لترضيتهم قليلا ولزيادة أهبة الاستعداد، فأعلن في الأول من يونيو تشكيل حكومة حرب ضمت موشي ديان وزيرا للدفاع (كان أشكول يحتفظ بهذا المنصب حتى ذلك الوقت) ومنح مناصب وزارية لمناحم بيجين وزعماء يمينيين متطرفين آخرين.
وفسرت القاهرة هذه القرارات على أنها تأكيد على نية إسرائيل شن حرب، وكان العكس أيضا صحيحا في تل أبيب حيث بدت القرارات المصرية (حشد ٨٠ ألف جندي في سيناء وطرد قوات الطوارىء الدولية واغلاق مضايق تيران) بمثابة استعداد للحرب.
أكد الجنرالات الإسرائيليون على رغبتهم مرارا في خوض حرب إستباقية كانوا يتدربون عليها منذ عام ١٩٥٧ وتبدأ بتحطيم سلاح الجو المصري، لكن حذر أشكول وتردد ديفيد بن جوريون، رئيس الوزراء السابق والعراب العجوز الجالس في مزرعته بالنقب، وقفا في وجه الجنرالات ورفضا توجيه الضربة الأولى. في النهاية تدريجيا انتصر الجنرالات، مثلما انتصر عامر على تردد عبد الناصر بشأن السحب الكامل لقوات الطوارىء، وأستند هذا النصر -جزئيا- على موقف مائير آميت، رئيس المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، الذي زار واشنطن في الثاني من يونيو وشعر أن الموقف الأمريكي قد تغير قليلا، وأنه دون تغير درامي في الموقف المصري، فإن الإدارة الأمريكية لن تعترض لو شنت إسرائيل حربا “وقائية”. وفي اجتماعات متتالية عقدها مجلس الوزراء مع كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي كان التوتر يتصاعد مع تصلب موقف الجنرالات المصر على خوض الحرب، خصوصا مع انهيار مشروع أمريكا وبريطانيا لفتح الملاحة في خليج العقبة تحت رعاية دولية، وهو المشروع الذي عارضه الاتحاد السوفيتي ومصر في مجلس الأمن.
هل دفعت أمريكا إسرائيل لمحاربة مصر؟
لا يوجد دليل قوي واحد على أن الرئيس جونسون أو وزير خارجيته دين راسك قررا أو صرحا في أي إجتماعات داخلية او وثائق متاحة أنهم طلبوا من إسرائيل أن تهاجم مصر في ١٩٦٧ بل أن جونسون في إجتماعه مع وزير الخارجية الاسرائيلي آبا إيبان في ٢٦ مايو قال بوضوح أن إسرائيل “لن تكون وحيدة إلا إذا دخلت الحرب بمفردها” وأنه من الضروري ألا تصبح إسرائيل مسؤولة عن بداية الأعمال الحربية. لم يكن لدى واشنطن خيارات كثيرة، فلم تكن تريد التدخل عسكريا لاجبار مصر على فتح خليج العقبة أمام حركة الملاحة لإسرائيل، وبالتالي اكتساب عداوة محققة بين شعوب العالم العربي، ولم تنجح في حشد دعم دولي لفتح المضايق بالقوة أو الضغط، وفي نفس الوقت لم تكن واشنطن تريد أن ينجح عبد الناصر، حليف السوفييت، سياسيا أو عسكريا، مما قد يدفعه للاستمرار في سياساته الخارجية الإقليمية والمناوئة لمصالح واشنطن. كان أفضل حل يدافع عنه البيروقراطيون في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، هو العودة لقنوات الدبلوماسية او حتى القانون الدولي عن طريق محكمة العدل للبت في مسألة حرية الملاحة أو إستصدار قرار من مجلس الأمن ينشأ أسطولاً دولياً يؤمن دخول السفن إلى إسرائيل. لم تكن تل أبيب تحتاج أي دعم عسكري أمريكي آنذاك وكان لديها من الجنود والعتاد والذخائر، والأهم، من الخطط والاستراتيجيات وهياكل القيادة والاتصال والقوات المدربة جيدا، ما يمكنها من الحرب ضد مصر وسوريا والأردن مجتمعين. ما أرادته إسرائيل هو ألا يتكرر ما حدث عام ١٩٥٦ عندما أجبرتها واشنطن على الانسحاب من سيناء بعد أن استولت عليها عنوة. (٢)
لم يمنح جونسون إسرائيل الضوء الأخضر لشن الحرب أو يطلقها من عقالها كما يدعي هيكل في كتابه “الانفجار”، لكنه في نفس الوقت لم يطلق ضوء أحمر صريحا يوقفها، فبين منتصف مايو والثالث من يونيو حذرت واشنطن تل أبيب في تسع رسائل متفرقة من شن حرب استباقية، بناء على دراسة مايكل بريشر حول صناعة القرار في الازمات.(٣) وكانت أول رسالة من نائب وزير الخارجية يوجين روستو في ١٧ مايو إلى السفير الأسرائيلي إفراهام هارمان، حيث أكد روستو على حق مصر في تعبئة الجنود داخل حدودها وأن مثل هذا التحرك لا يمنح إسرائيل أي حق في ضربة وقائية بل ستصير مثل هذه الضربة في حالة وقوعها “خطأ فادحا للغاية.” وبعد ظهر نفس اليوم أرسل الرئيس جونسون رسالة إلى أشكول جاء فيها أن الولايات المتحدة “لا تستطيع أن تقبل مسؤولية أي موقف ناجم عن تصرفات لم يتم استشارتنا بصددها.” وفي ٢٥ مايو رفضت واشنطن طلبا إسرائيليا أن تصدر إعلانا رسميا يفيد أن أي عدوان على إسرائيل هو عدوان على الولايات المتحدة، وفي ٢٨ مايو أرسل جونسون خطابا إلى أشكول جاء فيه: “اكرر بقوة أكثر مما ذكرت لآبا إيبان بالأمس أن إسرائيل يجب ألا توجه ضربة عسكرية إجهاضية وتجعل نفسها كذلك مسؤولة عن اندلاع الحرب ”. (٤)
حاول أشكول الحصول على نفس التطمينات الأمنية من رئيس وزراء بريطانيا هارولد ويلسون ورئيس فرنسا شارل ديجول، لكنه فشل، في الوقت الذي تصاعدت فيه التهديدات الخطابية من العالم العربي والسخرية الإسرائيلية من تردد أشكول في إتخاذ قرار الحرب (أنظر رسوم الكاريكاتير المهددة المتوعدة من الصحف العربية والساخرة والمنتقدة من صحيفة معاريف الإسرائيلية).
الرسم \”١\” من صحيفة الحياة اللبنانية و\”٢\” الجريدة اللبنانية من أوائل ١٩٦٧. ولم يكن الأمر كله بروباجندا وشيطنة مكتملة وتهوين من العدو الإسرائيلي وتخويف له، لكنها أيضا عكست مشاعر قومية حقيقية كانت تريد الانتقام من عدو استيطاني وعنصري، وتجلى هذا في الصحف اليومية الصادرة في العالم العربي وانصياع الحكومات المحافظة في الرياض وعمّان لضغوط شعوبها بالوقوف وراء مصر. وفي الكارتون \”٥\” ناصر يقود دبابة تجثم على صدر أشكول في الفراش، سخرية من تباطوء رئيس الوزراء الإسرائيلي في الرد على التهديدات المصرية، بينما الصورة \”٦\” تسخر من تردد أشكول في اتخاذ القرار وهو يقطف أوراق زهرة مراوحا بين “نعم” و “لا” للحرب.. والرسمان من صحيفة معاريف الإسرائيلية في مايو ١٩٦٧.
توحيد الصف العربي ضد إسرائيل، لكن كيف ولماذا؟
توحد الصف العربي على الأقل ظاهريا في ضوء الدعم العربي الشعبي المتصاعد لموقف عبد الناصر وتصاعد الضغط على عمّان والرياض، ففي ٢١ مايو طردت دمشق أثنين من الدبلوماسيين السعوديين وسط اتهامات للرجعية العربية، ثم انفجرت سيارة مفخخة في الرمثا بالأردن قرب الحدود السورية، فقتلت ٢١ أردنيا، وجرحت نحو ١٥ آخرين. واتهمت عمّان دمشق بالتورط المخابراتي في حادث الرمثا، وطردت السفير السوري واستدعت القائم بالأعمال الأردني من دمشق، لكن سريعا وتحت الضغط عدلت عمّان والرياض المسار خلال أيام، حيث وصل الملك حسين في زيارة “مفاجئة” إلى القاهرة يوم ٣٠ مايو، وأعلن دعمه الكامل للموقف المصري، بينما دعت الرياض العالم العربي كله للاحتشاد خلف دمشق والقاهرة، وساهم هذا التوّحد شبه الإجباري (إذ لم تغير الأردن والسعودية مواقفهما الأصلية المعادية لسياسات عبد الناصر في اليمن وللعمل الفدائي الذي بات يهدد استقرار الأردن كدولة) في تعميق حدة الانتقادات الإسرائيلية لرئيس الوزراء والضغط عليه للتحرك عسكرياً لإجهاض الضربة المصرية المتوقعة.
إسرائيل تتجه نحو تأييد الضربة الأولي:
وبدأ رئيس الأركان رابين يميل أكثر وأكثر نحو معسكر المؤيدين للحرب، حيث قال لكبار ضباطه في اجتماع يوم ١٩ مايو أن الدول الغربية الكبرى رفضت تقديم ضمانات أمنية، والحكومة الإسرائيلية مازالت تسعى خلف حل دبلوماسي، “ويجب أن نمكنهم من استنفاد كل بدائل الحرب… (لكن) لو أغلق المصريون مضايق تيران لن يكون هناك بديل للحرب.”لكن قرار الحرب في يد السياسيين كما أبلغ بن جوريون رئيس الأركان رابين في اجتماع معه في ٢١ مايو: “يجب أن يتحمل رئيس الوزراء والمجلس مسؤولية اتخاذ قرار الحرب ، فهذا ليس أمرا يقرره الجيش.”، وكان السياسي الأكبر، سنا ومقاما (٨١ عاما)، في إسرائيل ساعتها يخشى من عواقب الحرب ويردد: “يجب ألا ندخل الحرب، فنحن معزولون.” كل هذه الضغوط المتناقضة أثرت بشدة على رابين، رئيس الأركان، فقدم استقالته في ٢٥ مايو، لأنه كان يخشى من عواقب الأمور، لكن رئيس الوزراء أشكول رفضها وقرر رفع التعبئة إلى الحد الاقصى.. أي استدعاء كل الـ ١٤٠ ألف إسرائيلي المسجلين في الاحتياط. (٥)
كان اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي غير الرسمي في الثالث من يونيو حاسما، لكن بعد نقاشات وجدل لساعات طويلة. عاد هارمان، سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، وآميت، مدير المخابرات (الموساد) من واشنطن على نفس الطائرة ووصلا إلى منزل أشكول في منتصف ليل السبت، وقدما استعراضا موحدا كان أهم ما جاء فيه أنه لو بادرت إسرائيل بالهجوم فلن توقفها الولايات المتحدة، بل قد تدعمها دبلوماسيا، وكان هذا بناء على تحليلاتهما وليس وفقا لتعهدات أمريكية قاطعة. غيّر وزير الخارجية إيبان موقفه الذي كان يفضل الانتظار بعد أن قرأ تصريحات لوزير الخارجية راسك قال فيها أن أمريكا لن تجبر أحدا على ضبط النفس. وأكد آميت، رئيس الموساد، بناء على اجتماعاته في أوائل يونيو في واشنطن مع ريتشارد هيلمز، رئيس وكالة المخابرات المركزية، ومع وزير الدفاع روبرت ماكنمارا ورجاله في البنتاجون أن أمريكا لن تدعمهم من خلال عمل عسكري مشترك، لكنها ربما تقدم أسلحة ومالا ودعما سياسيا بعد أن تندلع الحرب ووفقا للتطورات، وحاول هارمان أن يقنع المجلس بتأجيل الحرب أسبوعاً آخر لتفادي إغضاب الرئيس جونسون ومنحه الوقت الذي طلبه ولكنه فشل في وجه إصرار دايان على إنهاء ما كان يرى إنه إنتظارا عقيماً يمنح مصر وقتاً اطول للتمترس في سيناء وشن الضربة الأولى.كان الاجتماع صغيراً وضم، بالإضافة الى أشكول وهارمان كل من إيبان ودايان وآميت ورابين ورئيس المخابرات الحربية آهارون يارييف وأخرين. واتفق الحاضرون على أن الاتحاد السوفيتي لن يتدخل عسكريا إلى جانب مصر، وأُختتم الاجتماع بالاتفاق على أن يصدر مجلس الوزراء قرارا رسميا سريا بخوض الحرب صباح اليوم التالي. وصدر القرار بأغلبية ١٢ صوتاً ضد اثنين.
مصر: فوضى في القيادة ومعلومات خاطئة من المخابرات:
وفي مصرلم تكن هناك رؤية واضحة لاستراتيجية العمل العسكري، ولم تكن الخطة “قاهر” واضحة ولم تجر عليها تدريبات فعلية ولم يتم تنغيمها عملياتيا مع خطط الطيران “فهد” أو خطط السيطرة القطاعية على غزة، ولم تكن القوات تلقت أي تدريبات مناسبة على الأسلحة التي كان بعضها في المخازن ومنها طائرات في الصناديق، كما لم يسعى الجيش لرفع مهاراته العسكرية منذ سنوات، ولم يكن هناك تنسيق حقيقي بين السياسيين والعسكريين (حتى بغض النظر عن أن معظم رجال السياسة كانوا عسكريين ورجال مخابرات وأمن سابقين). تضاربت مستويات القيادة وسيطرت حالة خوف وسلبية على قوات الجيش وأغلبيتها من جنود الإحتياط الذين لم يتلقوا تدريبات جيدة ولم تتلقى وحداتهم خطط واضحة للتحرك أو القتال.
بين ١٥ مايو والخامس من يونيو، غير المشير عامر خطط القتال أربع مرات بشكل واسع، مما أنهك القوات الميدانية التي تحرك بعضها عدة مرات شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وباتت الرؤية العسكرية والعملياتية غير واضحة لدى الجميع، وأظهرت التطورات عدم وجود استراتيجية عسكرية ثابتة وواضحة “حيث إن التخطيط لم يكن يتعدى ردود الفعل لأعمال ومبادرات ومعلومات خداعية يقوم بها العدو من يسانده.” وأمر المشير عامر يوم ٢٥ مايو بتنفيذ الخطة الجوية أسد لعزل منطقة النقب الجنوبي عن باقي إسرائيل إعتباراً من فجر ٢٧ مايو، لكنه تراجع بعد ساعتين عقب لقاء طويل مع عبد الناصر. وكانت معلومات قوية قد وصلت لإسرائيل عن هذه الضربة الجوية فنقلتها للولايات المتحدة التي استدعت السفير المصري، الذي ارسل بدوره برقية عاجلة حول انزعاج واشنطن الشديد. واتضح لعبد الناصر أن معلومات إسرائيل صحيحة وأنه لم يكن يعلم بأمر هذا الهجوم الجوي. (٦)
وتضاربت التقارير والمعلومات الواردة إلى قيادة الجيش المصري وإلى مكتب عبد الناصر، بل وكان بعضها خاطئا، خصوصا من جهاز المخابرات الحربية. فمثلا ادعى جهاز المخابرات الحربية يوم ١٥ مايو أنه مازالت هناك تجمعات عسكرية إسرائيلية قرب الحدود مع سوريا بين خمسة وسبعة ألوية، لكن هذا العدد لم يكن صحيحاً وفقا لصور عمليات الاستطلاع السورية التي رأها الفريق فوزي، وادعت المخابرات الحربية يوم ١٧ مايو أن الروح المعنوية للشعب الإسرائيلي منخفضة دون أي دليل يدعم هذا الاستنتاج، وعلى عكس كل التقارير الأخرى المتوفرة وذات المصداقية بشأن الدعم الشعبي في إسرائيل لتحرك عسكري استباقي. وكان حجم القوات الإسرائيلية الوارد في تقرير المخابرات يوم ١٨ مايو أنها تحتشد قرب الحدود مع مصر غير دقيق. ويخلص رئيس الأركان الفريق فوزي إلى أن “جميع المعلومات أو التقديرات أو تحليلها عن العدو أو قوته أو مقدرته القتالية أو أسلوب قتاله وقدرات والنطاق الأقصى الفعال لطائراته، كانت خاطئة، الأمر الذي جعل تخطيط العمليات الحربية التي أقرها المشير عامر بناء على معلومات وتقديرات المخابرات الحربية خاطئة كذلك.”، وفي يوم ٢٤ مايو قدمت المخابرات الحربية تقويما بمقارنة القوات المصرية بالإسرائيلية ادعت فيه أن لدى مصر من المشاة والمدرعات ثلاثة اضعاف ما لدى إسرائيل وهو امر خاطىء تماما إذ كان لدي إسرائيل ٧ر١ ضعف ما لدي مصر من المشاة وتقريبا ضعف ما لدي مصر من المدرعات وطيارون اكثر ٢٥٠٪ مما لدي مصر. وربما لو علمت القيادة العسكرية والسياسية بقوة إسرائيل الفعلية بدلاً من الهراء الوارد في تقارير المخابرات الحربية لفكرت مرتين في قرار الحرب، أو لبادرت بها قبل أن تكتمل الاستعدادات الإسرائيلية.
وفي الثاني من يونيو عندما أبلغ عبد الناصر المشير عامر وكبار الضباط أن إسرائيل قد تهجم يوم ٤ أو ٥ يونيو، أمر المشير بتوزيع تقرير من المخابرات الحربية على كل القيادات العليا والوسطى والدنيا، جاء فيه أن إسرائيل لن تقدم على أي هجوم ”وأن الصلابة العربية الراهنة ستجبر العدو بلا شك على تقدير العواقب المختلفة المترتبة على اندلالع شرارة الحرب في المنطقة.” (٧) واستحسن عبد الناصر أن تمتص مصر الضربة الأولى من إسرائيل، فقدّر قائد القوات الجوية الفريق صدقي محمود الخسائر المتوقعة بنحو ١٥ إلى ٢٠٪ وقد يؤدي هذا إلى “تكسيح” قواتنا الجوية. لكن عبد الناصر أصر على تلقي الضربة الأولى، وليس توجيهها حرصا على ضمان التعاطف العالمي، خصوصا من الولايات المتحدة، واتفق الحضور على اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية للتقليل من تأثير الضربة الجوية الأولى من إسرائيل، حيث إن خسارة ٢٠٪ من القوات الجوية في الضربة الأولى ثم “نحارب إسرائيل بعدها، أفضل من أن نبادر بالضرب، فنحارب إسرائيل وأمريكا معا.” ولم يكن المشير عامر يأخذ كل تقديرات ناصر وتحذيراته بجدية، فقرر مواصلة رحلته المقررة إلى سيناء صباح الخامس من يونيو مما يعني أن قوات الدفاع الجوي كلها ستكون عاجزة عن القصف طالما كانت طائرته في الجو كما أن رحلته كانت أيضاً تعني أنه سيجمع ٢٨ من كبار قادة الجيش في رحلته لسيناء، إما على الطائرة معه أو في انتظاره على الأرض، وعندما وجه البعض اللوم إلى عامر على أهماله لتحذيرات عبد الناصر، قال المشير إن عبد الناصر ليس نبيا يتلقى الوحي، وتقديراته في ١٩٥٦ لم تكن سليمة على أي حال.(٨) ولم تفعل القوات الجوية شيئا يذكر لحماية طائراتها ومطاراتها الرابضة على الأرض مكتفية بتقويم للمخابرات الحربية جاء فيها أن مدى الطائرات الاسرائيلية الحربية لا يمكنه أن يتعدى القناة، وبالتالي فكل الطائرات العسكرية المصرية في القواعد المنتشرة من الأقصر جنوبا وحتى المنصورة شمالا آمنة. وكان هذا واحدا من سلسلة الأخطاء المريعة التي ارتكبتها المخابرات الحربية.
عنب عنب عنب .. ولكن لا أحد يسمع:
في الساعة الثامنة من صباح ٥ يونيو، أرسلت محطة عجلون للانذار المبكر في الأردن برقية قصيرة عن توجه مقاتلات إسرائيلية نحو مصر. ولم تتعامل القيادة العامة مع هذه المعلومة المهمة، لأن عريف الإشارة اخطأ وغير تردد الاستقبال أو الشفرة في اليوم السابق، فلم يفهم أو لم يتلقى الرسالة الكودية “عنب، عنب، عنب”، والتي تعني أن هناك طائرات إسرائيلية أقلعت في طريقها إلى مصر، وتلقى مكتب الوزير شمس بدران نفس الرسالة في نفس الوقت وفهم معناها، لكن الوزير لم يكن موجودا بمكتبه، وبعد حوالي ٤٥ دقيقة كان أحد ضباط المكتب يتحدث مع زميله في قيادة الدفاع الجوي في الجيوشي، فأبلغه بالرسالة، فرد عليه الضابط المناوب متهكما وقائلا: ”عنب إيه وبصل إيه؟ دول فوق دماغنا”، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية قد بدأت بالفعل في عمليات القصف.
وقبل أن تصل الطائرات الإسرائيلية لضرب المطارات والطائرات على الأرض، وبين الساعة ١٥ر٨ والساعة ٣٠ر٨ صباحا، أقلعت طائرتان من قاعدة ألماظة العسكرية في القاهرة، الأولى تقل المشير عامر وقائد القوات الجوية صدقي محمود، ورئيس هيئة العمليات الفريق أنور القاضي وعدد من كبار ضباطهم في طريقهم إلى بير التمادا في سيناء، والثانية تقل رئيس وزراء العراق ونائب رئيس الجمهورية حسين الشافعي في طريقها لقاعدة أبو صوير الجوية قرب الإسماعيلية، ولهذا السبب أُمر بتقييد النيران لدى أسلحة الدفاع الجوي وفي المطارات بين الثامنة والتاسعة صباحا في هذه المنطقة (ومن غير المفهوم لماذا لم ترد قوات الدفاع الجوي على الغارات الإسرائيلية، حيث إن أوامر التقييد لا تسري في حالة الهجوم المباشر والحاجة لصده!)، وبينما تعبر طائرة المشير من طراز اليوشين ١٤ الروسية الصنع قناة السويس، كانت الطائرات الإسرائيلية قد دكت بالفعل مطارات سيناء، وتواصل العمل فوق الأجواء المصرية، فعاد الرجل وحاشيته إلى مطار القاهرة في حالة اضطراب شديدة، حتى إن المشير استقل سيارة تاكسي إلى غرفة العمليات الرئيسية في مدينة نصر، فوصلها في العاشرة والنصف صباحا. كان رئيس وزراء العراق أقل حظا، إذ وصلت القاذفات الإسرائيلية بعد دقيقتين من هبوط طائرته، وشاهد هو والشافعي تدمير صف كامل من طائرات اليوشن ٢٨ على أرض المطار دون أن تطلق أسلحة الدفاع الجوي في المطار ورشاشاته التي كانت الطائرات المغيرة في مداها طلقة واحدة، ربما بسبب ما يصفه الفريق فوزي “بالذهول الذهني وعدم السيطرة.”، وقبل أن يصل المشير لغرفة عملياته مستقلا سيارة أجرة من مطار القاهرة، كانت إسرائيل قد قصفت مطارات سيناء الأربعة ومطارات القناة الثلاثة ومطار المنصورة، ثم قضت الموجة الثانية على باقي مطارات مصر العسكرية، رغم أن المخابرات الحربية أكدت من قبل أن مدى الطيران الإسرائيلي لا يتعدى قناة السويس.
بدأ قصف الطائرات الإسرائيلية في الساعة الثامنة و٤٥ دقيقة تقريبا، وبحلول الظهر، كانت قد دمرت كل قواعد مصر الجوية وكل قاذفات مصر الثقيلة والخفيفة و ٨٥ في المائة من سلاح الجو عموما. ولم ترصد وحدات الإستطلاع والإنذار الجوي في قواعد ومطارات مصر اقتراب الطائرات الإسرائيلية، لأنها كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة، ولأن كثيرا من محطات الإنذار والرادار ضُربت في أول الطلعات الجوية الإسرائيلية.(٩)
وشاركت ٢٠٠ طائرة مقاتلة وقاذفة إسرائيلية معظمها فرنسية الصنع في الضربة الجوية وانطلقت أولها في الساعة ١٠ر٨ صباحا من مطار هاتزور. وقبل الظهر، وفقا لمايكل اورين، كانت مصر قد خسرت ٢٨٦ طائرة حربية من أصل ٤٢٠ طائرة كان من المعتقد أنها تملكها، وتم تعطيل ١٣ قاعدة جوية و ٢٣ محطة رادار ومواقع دفاع جوي.(١٠) والخريطة أسفله توضح أهداف هذه الضربة التى أمتدت من مطار الأقصر جنوبا حتى المنصورة في الشمال الشرقي.
الحرب التي بدأت وانتهت في ٤٨ ساعة: كيف سيطرت إسرائيل على سيناء؟
بدأ الهجوم البري الإسرائيلي في حوالي السابعة والربع صباحا على وسط سيناء، وعبرت مدرعاتها وجنود المشاة الحدود وتحصنت في منطقة أم بسيس على عمق ١٢ كيلو متر داخل مصر، ولم ترد القيادة العامة للقوات المسلحة رغم أن وحدات مصرية في المنطقة أرسلت بلاغا في الرابعة صباحا للعريش حول تحركات للعدو تشير إلى استعدادات هجوم بري. ظل هذا البلاغ في مكتب العريش حتى السابعة صباحا عندما أُرسل مع فقرة تحليلية تدعو للحذر وتستخلص أن هذه التحركات تبديل للقوات من الاحتياطي. ووصلت الإشارة إلى مكتب وزير الحربية شمس بدران في السابعة، لكنها لم تغادره إلى قيادة العمليات، وهي الجهة القادرة على التحرك ورد الفعل حتى الساعة التاسعة وأربعين صباحا، أي بعد بداية الهجوم الإسرائيلي الفعلي بساعتين ونصف تقريبا. كانت نظم الاتصالات والقيادة والتحكم في حالة يرثى لها في واقع الأمر، حتى إن القوات المصرية التي تعرضت للهجوم الإسرائيلي في السابعة والربع لم تبلغ القيادة العامة بالهجوم إلا حوالى الساعة الثامنة والنصف.
ومنذ الساعة ١١ صباحا في يوم الاثنين المشهود هذا، توالت طلبات القوات البرية من سيناء بتوفير الغطاء الجوي والمساعدة الجوية، لكن الاتصالات تقطعت وتباعدت مع مرور الوقت، حيث إن الإسرائيليين تمكنوا في وقت مبكر من قطع خط الاتصالات الرئيسي إلى سيناء عن طريق طائرة هليكوبتر تحمل طاقم تدمير، نزلت في منطقة الخاتمية، حيث يمر الكابل المحوري لكل نظم الاتصالات.
ويقول الفريق فوزي إن طاقم التدمير الإسرائيلي قام بعمله “أمام نظر وأعين جنودنا، الذين كانوا يتحركون بعرباتهم على نفس الطريق، ولم يبلغوا حتى قياداتهم بما يحدث. أعتقد انه الجهل وعدم الفهم.” (١١)
واخترق الهجوم الإسرائيلي سيناء على محورين رئيسيين، الأول من رفح والثاني من ناحية أم القطف، واخترقت القوات على المحور الشمالي بسهولة نسبية بعد تمهيد من نيران المدفعية والطيران على كل المحاور مع التركيز على شمال سيناء، حيث وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى الشيخ زويد في التاسعة صباحا، وتقدمت حتى العريش التي دخلتها في الساعة ٤٠ر٦ م، وتكررت الهجمات الإسرائيلية على كل المواقع المصرية في الأربع والعشرين ساعة التالية، ولم يصمد سوى موقع القسيمة في وسط شرق سيناءن حتى صدرت له الأوامر من القاهرة بالانسحاب.
الإنسحاب: وصمة العار في جبين القيادة ونوط الشجاعة والتحمل للجنود:
لم يكن السبب الرئيسي لهزيمة مصر الساحقة في ١٩٦٧ التخطيط الأفضل والتفوق النسبي في الأسلحة والمعدات للجانب الإسرائيلي فحسب، بل تخبط المؤسسة العسكرية المصرية بداية من التعبئة السيئة التي قامت بها للقوات، والخطط المتضاربة للقتال، ونهاية بالمأساة التي ستظل نقطة سوداء في تاريخ كل مسؤول عنها وهي الاسحاب غير الضروري تماما وغير المنظم لعشرات الآلاف من جنود مصر بطريقة مفككة.
وكان المشير عامر قد قام بمحاولة أخيرة من وجهة نظره لإيقاف الهزيمة المروّعة، عندما استدعى السفير السوفييتي في القاهرة في السادس من يونيو وطالبه بتنفيذ وعود موسكو لوزير الدفاع شمس بدران والتدخل عسكريا، فاستفسر السفير عما إذا كانت هناك أي أدلة على تدخل الولايات المتحدة لجوار إسرائيل، فرد عامر بالإيجاب، لكنه لم يستطيع تقديم هذه المستندات، وطلب في نهاية الاجتماع من السفير المساعدة في إيقاف القتال.(١٢)، وبدأت مأساة سحب القوات المصرية بعد ظهر هذا اليوم.
ويسرد الفريق فوزي كيف تم إتخاذ هذا القرار: “طلبني المشير بعد ظهر ٦ يونيو ١٩٦٧ قائلا لي: عاوزك تحط لي خطة سرية لانسحاب القوات من سيناء إلى غرب قناة السويس، ثم أضاف: أمامك عشرين دقيقة فقط.. فوجئت بهذا الطلب، إذ أنه أول أمر يصدر إليّ شخصيا من المشير الذي كانت حالته النفسية والعصبية منهارة.. كانت القوات البرية في سيناء عدا قوات الفرقة ٧ مشاة متماسكة حتى هذا الوقت، ولم يكن هناك ما يستدعي إطلاقا التفكير في انسحابها.”وقدم فوزي خطة انسحاب تتم في أربعة أيام وثلاث ليال، فرد عليه المشير عامر قائلا: ٤ أيام و ٣ ليالي يا فوزي، أنا أعطيت أمر الانسحاب خلاص، ثم دخل المشير إلى غرفة نومه التي تقع خلف المكتب مباشرة بطريقة هيستيرية بعد أن كان وجهه قد زاد إحمرارا أثناء توجيه الحديث، ووصلت الأخبار من سيناء أن المشير قد أصدر أمره إلى قائد قوات العريش بانسحاب قواته بأسلحتها الشخصية فقط إلى غرب القناة في ليلة واحدة، وقد قام هذا القائد بتنفيذ الأمر بالنسبة لشخصه وفرقته فقط، دون أن يخطر قيادته العليا والقوات التي تجاوره، وهذا عمل من الأعمال التي تحاكم عسكريا في جميع القوانين العسكرية، إذ أنه يمس أمن وسلامة بقية القوات مسا مباشرا”، ولم يعلم قائد الجبهة الفريق عبد المحسن مرتجي بأمر الانسحاب من قيادته أي من المشير عامر أو رئيس الأركان، بل “من القوات المنسحبة نفسها.. أي لم يتم إخطاره لا من القيادة العليا ولا من قيادة الجيش الميداني. أما (قائد الجيش الميداني) الفريق صلاح محسن، فاتصل رأسا بالمشير يوم ٦ يونيو، ثم في السابعة مساء نفس اليوم اتصل باللواء صدقي الغول قائد الفرقة الرابعة المدرعة وأخبره أن المشير عامر أصدر أوامره بالانسحاب إلى غرب القناة، وأنه على الفرقة الرابعة المدرعة إحتلال المضايق حتى الساعة ١٢ ظهرا من يوم ٧ يونيو لحماية انسحاب القوات، ثم تنسحب الفرقة الرابعة بعد ذلك، (وكانت) سيطرة الفريق صلاح محسن على قوات الجيش مفقودة أصلا نتيجة تدخل المشير في أعماله، حتى الصغيرة منها، وإصداره لأوامر كثيرة وصلت إلى حد نقل سرية لدعم مكان آخر مطلوب له قوات، علاوة على التغييرات ذات الحجم الكبير فى الأعداد والتي كانت تتوالى عليه يوميا خلال الأيام العشرة الأخيرة قبل بدء المعركة، ثم شلل المواصلات الداخلية بين تشكيلاته، بل وقطعها نهائيا” مما أكتمل معه أن قائد القوات المصرية كلها في الميدان فقد سيطرته عليها واتصاله بها نتيجة تدخلات المشير ومن حوله المباشرة. (١٣)
ويحاول فوزي وضع خط زمني معقول لما حدث في ذلك اليوم العصيب السادس من يونيو، ليكشف أكثر مدى تهاوي قيادة المؤسسة العسكرية وانعدام روح المبادرة والنقاش الصريح بين قياداتها:
(١) في الساعة ٣٠ر١١ صباحا، اقترح قائد الجبهة الفريق مرتجي أن تنسحب القوات من شرق سيناء وحتى خط المضايق.
(٢) في الساعة ٤ مساء، المشير عامر يصدر أمرا شفويا بالانسحاب إلى غرب القناة، لكن لا يوجد أي مستند أو أثر لهذا الأمر غير أنه وصل لبعض القادة الميدانيين، وفقا لمذكراتهم وأحاديثهم الصحفية فيما بعد، ونفذوه فرادى.
(٣) في الساعة٣٠ر٤ مساء، المشير عامر يكلف الفريق فوزي بوضع خطة انسحاب (بعد أن كان فعلا قد أصدر أمره بالانسحاب)
(٤) حالة من الفوضى والتضارب في الأربعة وعشرين ساعة التالية بين قوات تنسحب دون إبلاغ المستويات الأعلى، وقوات تحاول العودة، وقوات تشتبك مع العدو منفردة.
(٥) بحلول مساء السابع من يونيو، كانت معظم القوات قد انسحبت وانتهت أي فرصة للقتال الفعلي من الجانب المصري.
ويبرر وزير الحربية بدران الانسحاب في حوار لصحيفة الحوادث اللبنانية بعد أن أفرج عنه أنور السادات عام ١٩٧٤، وأمره بمغادرة البلاد إلى لندن، حيث يعيش حتى الآن، أنه بحلول السادس من يونيو، كانت إسرائيل تسيطر على سماء الجبهة، واتصل المشير عامر بالرئيس وأبلغه بتطورات الموقف، واتفق الاثنان على سحب القوات لغرب القناة. وادعى بدران أن عبد الناصر طلب من المشير أن يستطلع رأي كبار القادة العسكريين أولا وأعضاء مجلس قيادة الثورة المتاحين له، وأيد الموجودون في مكتب عامر (لم يتذكر بدران كل أسمائهم) سحب القوات. وبعد الانسحاب، وفقا لبدران، طلب الرئيس من المشير عامر أن تعود الفرقة المدرعة الرابعة إلى شرق القناة حتى خط المضايق. ولا يتسق هذا مع معظم روايات الشهود الآخرين، وأهمهم الفريق محمد فوزي ووزير الحربية، فيما بعد، أمين هويدي. ويشير الفريق فوزي إلى حديث تليفوني بين المشير عامر والرئيس عبد الناصر يطلب فيه الأول رأي الثاني في إمكانية الصمود في المضايق بدلا من الانسحاب لغرب القناة، فلم يتلق ردا من الرئيس سوى جملة مُرّة وهي: “يعني كنت أخدت رأيي في الانسحاب الأول، وجاي دلوقت تسألني رأيي في المضايق.”(١٤)
ولأنه لم يكن هناك أمر انسحاب مكتوب وخطة موضوعة، تصرف كبار القادة ومرؤوسيهم بل والجنود وفقا لفهمهم الخاص، فحدثت بلبلة واسعة وانهارت القوات معنويا، وانقلب الانسحاب غير المنظم إلى فوضى، “فتعارضت أماكن تمركز المنسحبين وطرق انسحابهم، مرة إلى غرب القناة ومرة إلى وسط الدلتا، دون تحديد مكان معين، مرة إلى هايكستيب ومرة إلى دهشور، وكانت كل هذه الأوامر صادرة من ضباط وضباط صف الشرطة العسكرية، التي كانت تتلقاها من ضباط وأفراد مكاتب المخابرات الحربية، ووصل الحال إلى أن اصبح عريف الشرطة العسكرية الواقع على مخرج المعبر رقم ٦ بالإسماعيلية المصدر الرئيسي للمعلومات عن عملية انسحاب القوات من سيناء، أي التي عبرت قناة السويس.” وكل هذه الفوضى لا تفسير لها سوى أن المشير اصدر قرارا شفويا غير محدد وغير مفصل بسحب ١٢٠ ألف ضابط وجندي لغرب القناة، وفسر الجنود أمر الانسحاب بأسلحتهم الشخصية على أنه تم بغرض تأمين سلامتهم لا لمقاتلة العدو، فسار معظمهم على الأقدام أو بأي وسيلة مواصلات في إتجاه واحد معين وهو قراهم ومنازلهم. وهذا ما حدث لأكثر من ١٠٠ الف فرد استمروا في السير إلى قراهم حوالي أسبوع من يوم ٧ يونيو ١٩٦٧، وبعدها عادوا وانضموا إلى وحداتهم، لكن بدون أي أسلحة.
واكتمل انهيار عامر الذي لزم غرفة نومه في مقر القيادة عدا ثلاث مرات خرج فيها ليتحدث مع الرئيس عبد الناصر، ثم مع السفارة السوفيتية وثالثة وأخيرة مع وزارة الخارجية، وهي المكالمات التي أدت لمحاولة لم تكتمل للعودة للتمسك بالمضايق تبين أنها مستحيلة، إذ أن القوات كانت قد تشرذمت، وبدأ بعضها في عبور القناة غربا، والأهم أن القادة المجتمعين في معسكر الجلاء في الإسماعيلية، حيث التقاهم الفريق فوزي بأوامر من المشير، رفضوا بقاء أي جنود في سيناء للتمسك بالمضايق، وتجادل الفريق فوزي مع الفريق مرتجي، فاتصل الأخير بالمشير عامر وبعد حوار، مرّر الهاتف للفريق فوزي الذي سمع أوامر عامر: ”خلاص يا فوزي إرجع أنت القاهرة.” وبهذه البساطة انتهى دور العسكرية المصرية تماما خلال أقل من ٧٢ ساعة من بداية الحرب، دون مقاومة تذكر من جانب القادة. (١٥)
وفي حساب ختامي لم يتم استخدام أي من المدرعات أو المدافع المصرية في أي قتال يذكر في سيناء، ودمرت معظمها دون قتال، بينما دُمر ٨٥٪ من القوات الجوية معظمها على الأرض، وخسرت القوات البرية ١٧٪ من أفرادها و٨٥٪ من معداتها.
لم تكن الروح السلبية لدى الجنود سوى انعكاسا لإنعدام مسؤولية ومهنية القادة بشكل مريع، لماذا يضحي الجنود وقد فر الضباط، فخلال رحلته بالسيارة من الإسماعيلية إلى السويس يوم ٧ يونيو، لم يجد الفريق فوزي في أي وحدة أو جماعة ضابطا واحدا بين مجموعة جنوده إطلاقا. وعندما شاهد خمس دبابات جديدة طراز تي ٥٥، تركها الجنود المصريون أثناء انسحابهم المضطرب، طلب من قائد المنطقة استعادتهم، لكن القائد عجز عن أن يجد سائقين أو وقودا، فاقترح الفريق فوزي أن يتم تدمير الدبابات بمدافع هاون، خصوصا أن جنودا إسرائيليين بدأوا في الاقتراب منها، لكن ضابط المدفعية رد على قائد المنطقة قائلا: “بلاش يا افندم لحسن طيارات العدو تشوفنا وتضرب مواقعنا.”(١٦)، وأثناء تنظيمه لشؤون الدفاع عن بورسعيد عقب وقف إطلاق النار، التقى نائب رئيس المخابرات الحربية عبد الفتاح أبو الفضل مع أحد كبار الضباط “الذين حضروا شاردين من سيناء، ولما سألته عن السبب في عدم التحامهم مع الجيش الإسرائيلي، قال: لم يكن لدينا كضباط الدافع لبذل أي مجهود، لأننا لو انتصرنا كنا سننتصر لأجل أن يصل شمس بدران فتى القيادة المدلل لأعلى المناصب.. فهل كنت تريدنا أن ننتصر لأجل أن يصل الإنتهازيون إلى أعلى المراكز؟” (١٧)
وتوقفت القوات الإسرائيلية عن أسر الجنود المصريين، لأن أعدادهم كانت كبيرة، ولم تكن هناك وسائل نقل كافية لنقلهم للخطوط الخلفية، واقتصر الأسر على الضباط المتبقين في شرق القناة، بينما سُمح للجنود بعد إلقاء أسلحتهم الشخصية بعبور القناة بمراكب مدنية، وقال أسرى مصريون عديدون خلال استجوابهم إنهم وصلوا إلى سيناء دون أي فكرة واضحة عن المطلوب منهم وأماكن تركزهم وأن خطوط الإمداد كانت يرثى لها وفي حالة فوضى.(١٨)
ويؤدي الإطلاع على تفاصيل عملية التعبئة التي تمت بين ١٥ و ٢٢ مايو وإضطراب الخطط على صعيد القيادة العسكرية والتدخلات السياسية من عبد الناصر أحيانا (ليس لضمان تناسق الجهود، بل لاقتراح خطط أو تحركات عسكرية هو الآخر) إلى شعور بالذهول والغضب والأسى على حال هؤلاء الجنود المصريين المنسحبين الذين لا ذنب لهم فيما جرى، والذين حاول بعضهم بكل شجاعة وفداء الدفاع عن مواقعهم قدر إمكانياتهم، لكنهم في النهاية أطاعوا الأوامر العسكرية الصادرة بالانسحاب، وهي أوامر يبدو أن العسكريين يصدرونها في أحيان كثيرة دون تفكير في إمكان تنفيذها الفعلي وأثرها على المدى المتوسط والطويل.
ويحكي نائب مدير المخابرات الحربية عن زيارة قام بها أثناء عملية التعبئة في أواخر مايو لمحطة مدينة القنطرة، حيث وصل قطار يحمل الجنود المستدعين لخدمة الإحتياط، ويقول أبو الفضل: “فوجئت في المحطة بحالة من الفوضى لقوات الاحتياط يعجز الإنسان عن وصفها، والمفروض أنها على وشك الاشتراك في القتال في الجبهة.. كان الكل في ملابس مدنية ومعظمهم بجلاليبهم الريفية، ويحملون بنادقهم، وليس هناك أي زي عسكري، جُمعوا من قراهم على عجل ودون أي ترتيبات إدارية، وتسلموا أسلحتهم فقط وهم بجلاليبهم المدنية، وشُحنوا في السكة الحديد كالدواب دون أي تجهيز أو ترتيب إداري من مأكل أو مشرب أو راحة. كانوا يتدافعون لشراء طعامهم من الباعة الجائلين بالمحطة في فوضى شاملة، لا يتعدى مظهرهم خفر الريف، إن لم يكونوا أقل مستوى من ذلك. حشد هائل من الشباب والرجال الضائعين نتيجة إهمال واستهتار سلطات القوات المسلحة بأدميتهم وإنسانيتهم، وسألت نفسي: هل هذه هي حالة قواتنا التي سنواجه بها جنود عدوتنا إسرائيل؟ وفي المقابل – هل عدوتنا إسرائيل عندما أعلنت التعبئة، عاملت شبابها بهذا الأسلوب غير الآدمي؟”(١٩)
لم يكن عبد الناصر حتى بعد ظهر السابع من يونيو يدرك فداحة الهزيمة، إذ لم يعرف حتى ذلك الوقت أن المشير عامر أصدر أمر الانسحاب العاجل والسريع. وخلال اجتماعه مع وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعد ظهر ٧ يونيو، كان عبد الناصر مازال يقود حربا كانت قد أنتهت على الأرض. أكد عبد الناصر لبوتفليقة أن قوات مصرية ستعيد التمركز في خط الدفاع الطبيعي عند الممرات شرق القناة وتوقف تقدم القوات الإسرائيلية، بينما كان عشرات الآلاف من الجنود يسيرون بصعوبة على رمال سيناء ويعبرون القناة في مراكب مدنية ويمشون إلى قراهم ومدنهم عائدين من حرب لم يقاتلوا فيها بمعنى الكلمة.. عاجزين عن اصطحاب كل معداتهم من دبابات ومدافع.
هؤلاء الجنود كانوا أشجع وأنصع صفحة في كتاب العسكرية المصرية المهترىء بفعل قادته، وفي إطار مؤسسة كانت قيادتها عديمة الكفاءة وتدريبها ضعيف المستوى وخططها سيئة ومضطربة وإدارة عملياتها مقطعة الأوصال.. في خضم كل هذا التخبط والسلبية كانت هناك نماذج لجنود وضباط تحلوا بشجاعة فائقة، زاد من عظمتها أنها أتت في ظل مناخ لم يكن يكافىء الشجاعة بالضرورة، ففي اثناء الضربة الجوية تمكن ٣٠ طيارا من الإقلاع وسط الهجمة الجوية والاشتباك مع المقاتلات الإسرائيلية، واستشهد منهم ١٢ طيارا، وفي مطار شرق القاهرة أمر قائد لواء طائرات النقل الروسية الصنع طراز انتينوف طائراته بالتوجه للخرطوم فور الهجوم الجوي مباشرة (٢٠) ولو لم يكن عامر وقياداته ورئيس البلاد قد انهاروا سريعا وفقدوا السيطرة والتحكم، كان من الممكن أن تتمسك القوات المصرية بالمضايق، حيث كانت قوات “الستارة” محصنة ولم تستعمل معداتها، وإن كان الدفاع عن المضايق سيكون صعبا ومكلفا دون غطاء جوي، لكن الاتحاد السوفييتي بدأ في إرسال مقاتلات وذخائر خلال أيام.
وكان إجمالي من تم حصرهم من الشهداء ألفين فقط، بينما كان عدد المفقودين ٨٠٠ر٩ فرد، تم قيدهم في عداد الشهداء في عام ١٩٧١ ليصبح عدد ضحايا مصر في هذه الحرب التي لم تقاتل فيها نحو ١٢ ألف قتيل، بينما أسرت القوات الإسرائيلية ٦٠٠ر١٣ فرد. واستولت إسرائيل على حوالي ٨٤٨ مدرعة دون قتال على أرض سيناء.(٢١)
من هزم مصر؟
ذهل الإسرائيليون لانسحاب مصر السريع، إذ كان يمكنها مواصلة القتال البري في سيناء في الليل على الأقل، عندما تعجز الطائرات الإسرائيلية عن قصفهم بسهولة، وكانت هناك تحصينات كثيرة يمكن التمترس بها نهارا، لكن القاهرة قررت الانسحاب حتى دون أن تمنح فرصة للدبلوماسية الدولية عن طريق طلب وقف إطلاق نار في نهاية ٥ يونيو أو خلال ٦ يونيو، حيث رفض المبعوث المصري في نيويورك السفير محمد عوض القوني أن يتم فرض وقف لإطلاق النار، وهكذا ساعد السفير المصري نظيره الإسرائيلي الذي كانت أوامره من القدس هو التسويف والمماطلة لمنح وقت للجيش الإسرائيلي لإنهاء خططه في سيناء.
كان الهدف السياسي من الهجوم الإسرائيلي عموما، هو قصم ظهر العسكرية المصرية و”إذلالها” بغرض فرض حل سياسي عليها ووضع نهاية لمشروع القومية العربية الثورية والمعادي لوجود إسرائيل، وتحقق الجزء العسكري من هذا الهدف في اليوم الأول وتأكد نجاحه في اليوم الثاني مع قرار المشير عامر المآساوي بالانسحاب والتنفيذ الفائق الاضطراب له. وبعدها التفتت إسرائيل إلى حلمها القومي الديني وجائزتها المنشودة، فاستولت على القدس والضفة الغربية، وأخيرا في اليوم السادس والأخير تخلصت من مصدر التنغيص الذي بدأ كل الحرب من وجهة نظر البعض وهو إطلال سوريا وتحكمها في شمال إسرائيل من أعلى مرتفعات الجولان السورية. كان لدى إسرائيل خطة واضحة ومحددة ونفذتها وبنجاح، وفي اليوم السادس للحرب، ٩ يونيو، صار مناسبا لإسرائيل أن تقبل وقفا لإطلاق النار، وكان قرار مجلس الأمن بإيقاف النار قد صدر دون النص على عودة القوات المتحاربة إلى أماكنها الأصلية كما هو متبع، وقبلته مصر.
لا شك أن رؤية الأمور بعد ٤٨ عاما قد تكون أوضح لنا بالمقارنة بمن كانوا في قلب ضباب الأحداث، لكن معظم هذا الضباب لم يكن مفروضا على مصر وقيادتها، بل كان من اختيارهم وصنعهم بفعل نظام سياسي قائم على الثقة وأمن الحاكم وجماعته، يفتقر إلى آليات للمحاسبة والمساءلة وفاقد لفهم واضح ومدعوم شعبيا لأولويات الأمن القومي وكيفية دعمها بناء على القدرات الفعلية للمؤسسات العسكرية والاقتصادية. لقد هُزمت قيادة مصر ونظامها بيدها قبل أن تهزمها إسرائيل.
……….
عن الكاتب:
خالد منصور: كاتب مصري عمل بالصحافة وبالأمم المتحدة في السودان وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة ووسط آسيا والشرق الأوسط، وشغل منصب المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (٢٠١٣-٢٠١٥) ويكتب سلسلة مقالات عن حرب يونيو ١٩٦٧ بمناسبة الذكرى ٤٨ لها.
هوامش:
(1) يعتمد الجزء الخاص بإسرائيل في هذا المقال كثيرا على كتاب مايكل اورين “حرب الأيام الستة” والصادر في عام ٢٠٠٢ والذي يستند إلى وثائق الأرشيف الإسرائيلي والأمريكي، إضافة إلى عشرات المقابلات مع جنود وسياسيين من الدول المعنية، وعرض واف للكتب الصادرة بالعربية والعبرية والإنجليزية حول الموضوع. لكن للدخول في تفاصيل أكثر يجب الإستعانة بمذكرات قادة حرب ١٩٦٧ السياسيين والعسكريين مثل رئيس الوزراء أشكول ووزير الدفاع دايان ورئيس الأركان رابين ورئيس المخابرات أميت والمخابرات الحربية يارييف وعدد كبير من القادة العسكريين مثل حاييم بارليف وآرييل شارون ورفائيل إيتان.
(٢) ريتشارد باركر، “سياسات الحسابات الخطأ في الشرق الأوسط”، ص ١١٢-١١٥
Richard Parker, “The politics of Miscalculation in the Middle East
(٣) انظر دراسة مايكل بريشر حول “صناعة القرار خلال الأزمات في إسرائيل: دراسة حالة ١٩٦٧ و ١٩٧٣” Michael Brecher, “Decisions in Crisis: Israel 1967 and 1973
(٤) أورين، ص ٧٧
(٥) أورين ، ص٨٠-٨١
(٦) محمد فوزي، “حرب الثلاث سنوات”، ص ١١٣
(٧) فوزي، ص ١١٧-١٢٢
(٨) فوزي، ص ١٢٧
(٩) أمين هويدي، “الفرص الضائعة”، ص ٧٩، وفوزي، ص ١٣١-١٣٣
(١٠) اورين، ص ١٧٦
(١١) فوزي، ص ١٤١
(١٢) باستثناء بعض الحكايات المرسلة عن دور الأسطول الأمريكي السادس والتعاون في توجيه الطائرات الإسرائيلية وكلها حكايات من مصادر مصرية او من كتاب ستيفن جرين، “الإنحياز”، “ Stephen Greene, “Taking Sides: America’s Secret Relations with Israel”الذي يستند إلى مصادر لم يسميها، لكنه يقدم معلومات تفصيلية تستحق البحث، فلا أدلة هناك على نطاق وعمق المساعدات العسكرية الأمريكية المباشرة لإسرائيل خلال الحرب وإن كان من شبه المؤكد انه كان هناك بعض التبادل لتحليلات أجهزة المخابرات عموما في الفترة السابقة على الحرب، وهذه نقطة مهمة تستحق بحثا مطولا، لكنها مازالت في مرحلة لا يمكن فيها تأييد موقف المشير عامر أو عبد الناصر فيما بعد، وهو أن واشنطن فعليا وعن طريق الأسطول السادس دخلت الحرب إلى جوار إسرائيل في ١٩٦٧.
(١٣) فوزي، ص (١٥١ – ١٥٣) وهناك تفصيلات كثيرة في كتب مثل مذكرات الفريق مرتجي وحوارات مع صلاح محسن وأنور القاضي وغيره من القادة الميدانيين من مستويات مختلفة في صحف ومجلات متناثرة وبعضها في كتاب “ضباط يونيو يتكلمون” لعصام دراز و كتاب “الطريق إلى النكسة: مذكرات قادة العسكرية المصرية ١٩٦٧” لمحمد الجوادي، وهناك أيضا محاضر محاكمات قادة الطيران.
(١٤) حديث شمس بدران لصحيفة الحوادث مقتبسا في كتاب ريتشارد باركر، ص ٨٧، وتعليق عبد الناصر جاء في كتاب فوزي، ص ١٥٦.
(١٥) فوزي، ص ١٥٥.
(١٦) فوزي، ١٥٨.
(١٧) عبد الفتاح أبو الفضل، “كنت نائبا لرئيس المخابرات”، ص ٢٦٦.
(١٨) باركر، ص ٩٤
(١٩) أبو الفضل، ص ٢٥١
(٢٠) فوزي، ص ١٤١
(21) فوزي، ص ١٦١، و هويدي، ص ١٠٩