خالد منصور يكتب: في تشريح الهزيمة.. حرب 1967 وما تلاها (3).. بين واشنطن وتل أبيب والقاهرة: العالم من زوايا مختلفة

من النظريات المسيطرة على تفكيرنا إزاء هزيمة مصر في حرب 1967 مع إسرائيل، هي أن مصر وقعت ضحية مكيدة تفصيلية مدبرة، وهذا ببساطة تفكير أسطوري لا يقوم عليه دليل.. يعطل ويمنع تحليل هذه الهزيمة بما يسمح بمعرفة أسبابها وملابساتها والنظر في أساليب منع تكرارها، ولعل تولي المؤسسة العسكرية حكم البلاد مباشرة في مصر منذ منتصف ٢٠١٣، بعد فشل الإخوان المسلمين في السيطرة على الدولة، يجعل من أي تحليل مدقق لهذه الهزيمة، التي وقعت منذ ٤٨ سنة، ومازالت آثارها معنا، مساهمة في نقد وتحليل واقعنا الحاضر.

أفضل نسخة وأكثرها اتقانا من هذه المقاربة التي ترى الهزيمة بشكل أساسي بمثابة نتاج مؤامرة خارجية تفصيلية، هي ما يقدمه محمد حسنين هيكل في 1100 صفحة من القطع المتوسط في كتاب \”الانفجار\” الصادر عام 1990.

ويدعم هيكل كتابة بخمسة وأربعين مستندا تشمل محاضر اجتماعات وخطابات وتقارير من وزارات الحربية والخارجية والرئاسة المصرية، إضافة لكونه شاهد عيان ومشارك في اجتماعات طويلة مع عبد الناصر. ويرى هيكل أن عبد الناصر كان ضحية مؤامرة ضخمة قادتها إسرائيل والولايات المتحدة منذ أواخر الخمسينيات، وكانت ذروتها حرب 67، وأن أضلاع المؤامرة الثلاثة ومخططيها في الولايات المتحدة كانوا من تجار السلاح وعملاء المخابرات وشركات البترول، وانضمت إسرائيل لهم، ثم تشكّل ما يسميه هيكل \”الحكومة السرية\” بقيادة مستشار الأمن القومي والت روستو، وذراعه اليمين رجل المخابرات روبرت كومر. وكان هدف المؤامرة – وفقا لهيكل – هو تدمير الثورة المصرية وناصر، لأنهم وقفوا في طريق مخططات واشنطن ومصالحها في المنطقة.

المشكلة الرئيسية في نظرية هيكل المفصلة المحبوكة، والتي توفر ببساطتها معاناة كثيرة في محاولة فهم تعقيدات الواقع من زوايا مختلفة، أنها لا تستند على أي أدلة قوية أو معتبرة، بل مجرد قرائن واستنتاجات ومغالطات منطقية لإثبات نوايا وسياسات أمريكية.. شذرات من هنا وهناك وإشارة إلى تحقيقات دون مصادرها -أحيانا – أو مصادر دون اسمائها أحيانا أخرى، أو وقائع دون مصادر، ثم القفزة اللغوية البارعة إلى استنتاجات واسعة.

يعتمد هيكل بشكل رئيسي في نظريته على ما يسميه \”التحقيق الذي أجراه وليام مويرز المستشار الخاص للرئيس جونسون عن موضوع الحكومة الخفية في الولايات المتحدة\” (الانفجار، هامش ص 102)، وكان مويرز في الحقيقة السكرتير الصحفي لجونسون ولعامين فقط من 1965 إلى 1967، والتحقيق الذي يشير له هيكل هو ليس تحقيقا قضائيا، بل كتاب أصدره مويرز في عام 1988 بناء على فيلم تسجيلي أشرف عليه لصالح القناة العامة المموّلة من الحكومة بى بي اس في عام 1987 ومويرز وغيره من المعلقين الأمريكيين لعل أهمهم نعوم تشومسكي كتبوا كثيرا وتفصيليا عن المجمع الصناعي العسكري الذي يؤثر على شؤون السياسة في واشنطن وعن علاقة هذا المجمع بإسرائيل، لكن التأثير يختلف عن السيطرة، والقرائن ليست أدلة.

كانت واشنطن تريد تأمين إمدادات النفط الخليجي عموما والسعودي والإيراني خصوصا، بما يعنيه هذا من دعم استقرار أنظمة ضعيفة الشرعية تعتمد على الشراسة الأمنية، وشراء الولاءات في طهران والرياض على الترتيب.

كانت واشنطن تريد بشكل أساسي الحيلولة دون وقوع حرب إسرائيلية عربية أخرى، ولم تكن الولايات المتحدة وهي ترث بريطانيا وفرنسا في المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية تريد أن تلعب دور الاستعماري القديم، بل تريد حكومات متعاونة تقرر سياساتها الوطنية طالما ظلت –عموما- في معسكرها، وليست في المعسكر السوفييتي، وطالما لم تكن سياساتها تثير اضطرابا قد يعرقل إمدادات النفط. ومن هذا المنطلق كانت واشنطن تخشى مما تفعله مصر في اليمن قرب السعودية، وتنزعج من الخطب الحماسية البلاغية الصادحة من إذاعة صوت العرب من القاهرة ضد الملكيات الرجعية في عمان والرياض، ومن تصاعد وتيرة العمليات الفدائية الفلسطينية، وتحاول إيجاد حلول تتفق مع مخططاتها للهيمنة على المنطقة واستغلالها.

لم تكن سياسة واشنطن الخارجية تتبنى قواعد الإنصاف والعدل، بل مثل أي دولة أخرى كانت تسعى خلف مصالحها وبوضوح، ومن ناحيتها كانت القاهرة مدفوعة في الستينيات بإيمانها أن واشنطن تريد تغيير النظام والقضاء على ناصر، حتى مع علمها بمحدوديتها العسكرية واعتمادها على القمح الأمريكي -أو السوفييتي- وعلى السلاح السوفييتي – أو التشيكي- لم تتوقف القاهرة عن إصدار تصريحات نارية وتهديدات فارغة.. كانت عاجزة عن تنفيذها فعليا.

أما من ناحية إسرائيل، فإن الوثائق والكتب المنشورة، تشير إلى أن خطط غزو سوريا والحشود الإسرائيلية المزعومة على حدودها – وفقا للتقرير السوفييتي- لم تكن حقيقية أو دقيقة.. لم يكن لدى إسرائيل – وفق كل المصادر المتاحة والمعتبرة- سوى خطط طوارىء بديلة أو contingency plans وهي خطط تعد لها كل المؤسسات والجيوش والشركات الحديثة لمواجهة الاحتمالات المختلفة.

كتب كثيرة ومذكرات ووثائق أرشيف تؤكد نوايا إسرائيل العامة العدوانية والتوسعية، لكن هذه النوايا والبلاغيات العدوانية عن إسرائيل الكبرى، لم تكن في مجال التنفيذ في أواخر ١٩٦٦ وأوائل ١٩٦٧، ولم تكن لدى تل أبيب خطط هجومية حقيقية في تلك الفترة، بل وكان قطاع واسع من ساستها، خصوصا من الحرس القديم بقيادة بن جوريون يسعى بقوة لتفادي أي مواجهة مع مصر، ويظهر ذلك جليا في أحاديثه مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إسحق رابين حتى قبل حرب يونيو بأيام – وفقا للمصادر الإسرائيلية- التي يعرضها مايكل اورين في كتابه عن حرب يونيو.

……….

ويمكن الاطلاع على الوثائق الأمريكية الرسمية في مبنى للأرشيف الوطني فى حي كوليدج بارك بالقرب من جامعة ميريلاند على بعد ٤٠ دقيقة بالمواصلات العامة من قلب العاصمة واشنطن.. ملايين البرقيات السرية ومحاضر الاجتماعات والخطابات المرسلة من الديبلوماسيين الأمريكيين وعملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وخبراء وزارة الدفاع الأمريكية وغيرهم.

الجزء الذي يهمنا – فيما يتعلق بالشرق الأوسط – يوجد في السجل العام رقم ٥٩، والأرشيف مفتوح لأي شخص يملك وثيقة هوية رسمية (رخصة قيادة، كارنية طلبة، جواز سفر) بغض النظر عن الجنسية، ووفقا للقانون يجب نشر كل الوثائق بعد 25 سنة على الأكثر من صدورها، بعد أن تقوم لجنة رسمية بالنظر فيها وحذف بعض الأجزاء والفقرات بدعوى اعتبارات حماية الأمن القومي الأمريكي، ويظل من حق أي مواطن بمقتضى قانون حرية المعلومات أن يطلب الإفصاح عن هذه الاجزاء المحذوفة أو عن وثائق لم يفرج عنها بعد، بناء على طلب يقدم إلى إدارة حرية المعلومات في كل هيئة حكومية.

غير أن هذه المسالة تنطوي على عملية قانونية معقدة، وتحتاج – أحيانا- إلى محامين وتستغرق وقتا طويلا، وإن كانت نتائجها في أحيان كثيرة إيجابية للغاية، وإضافة إلى الأرشيف الوطني، فالبحث عن مرحلة حرب ١٩٦٧ وما قبلها وبعدها، تقتضي أيضا زيارات إلى مكتبة الرئيس لندون جونسون في مدينة أوستن بولاية تكساس، إذ تضم مجموعة منتقاة من برقيات الخارجية، إضافة إلى مذكرات البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي.

ولمن لا يستطيع السفر ونفقاته، يمكن ببساطة الدخول على الإنترنت ومطالعة عينة منتقاة من هذه الوثائق في الكتاب السنوي للعلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وإليكم – مثلا – اللينك الذي يحمل أهم الوثائق للفترة من ١٥ مايو وحتى ٤ يونيو ١٩٦٧، والتي تساعد في فهم كيف تعامل قطاع واسع من الحكومة الأمريكية مع نذر هذه الحرب.

وهناك الأرشيف الإسرائيلي، كما أن هناك عددا هائلا من الكتب الإسرائيلية والأمريكية المتوفرة بالإنجليزية والعبرية، وأهم الكتابات التي ظهرت حول حرب ١٩٦٧ ما قدمه الديبلوماسي الأمريكي السابق ريتشارد باركر \”سياسات الحسابات الخاطئة في الشرق الاوسط\” ”The Politics of Miscalculation in the Middle East“ by Richard Parker وكتابه الآخر \”حرب الايام الستة\” ”The Six Day War“، ومن الجانب الاسرائيلي كان كتاب الديبلوماسي السابق مايكل اورين ”ستة أيام من الحرب“ أو ”Six Days of War“ by Michale Oren. ومن الكتب الأكاديمية المهمة، ما نشره إبراهيم ابو لغد وندف صفران بالإنجليزية، ويتضمن كتابا باركر واورين عددا ضخما من المراجع باللغات الانجليزية والعربية والعبرية، كما أن كليهما قام بحوارات مطولة مع قادة عسكريين وسياسيين في كل البلدان المعنية.

تحتوي قائمة المصادر التي رجع إليها اورن ٤٢ كتابا باللغة العبرية تتناول حرب ١٩٦٧، بينما الكتب المصرية الجادة أقل من هذا بكثير، فغير كتاب هيكل، لا توجد كتب جادة يمكن التعامل معها وتمحيصها سوى مذكرات الفريق محمد فوزي، وكتاب عبد المجيد فريد ”من محاضر اجتماعات عبد الناصر العربية والدولية“ وكتاب حرره لطفي الخولي عام ١٩٩٧ ونشر فيه مقالات تحليلية لعدد من الكتاب بعنوان ”حرب يونيو ١٩٦٧ بعد ٣٠ سنة“ وكتاب ”الجيش والديمقراطية في مصر“ لأحمد عبد الله.

كتب هيكل إذن مصدر مهم للغاية لما حدث في مصر خلال حكم ناصر ونافذة على طريقة صنع القرار في القاهرة، لكنها أيضا تعرض وجهة نظر رجل سياسة كان داخل المطبخ وكان من صانعي القرار وله مصلحة محققة في رواية معينة للتاريخ.

……….

بعد قرار عبد الحكيم عامر غير المدروس في ١٤ مايو بدفع عدة فرق إلى سيناء، تدفقت القوات المصرية وزاد قلق إسرائيل بعد أن انتهى احتفالها بعيد إنشاء الدولة، أو بالنكبة التي لحقت بالعرب في 15 مايو 1948.. كان رابين مترددا بين \”ألا نفعل شيئا مما قد يوحي للمصريين أننا لا نعلم بتحركاتهم، أو لا نهتم بها، وساعتها ربما زادهم هذا جرأة على مهاجمتنا، وبين – من الناحية الأخرى- أن نبالغ في رد فعلنا فتتأكد مخاوف العرب أن لدينا نوايا عدوانية حاليا فنساهم ساعتها في إشعال حرب غير مرغوب فيها على الإطلاق\” ووافق رئيس الوزراء اشكول على القيام برد فعل محسوب، لكن دون استدعاء الاحتياط، واتفقت تقديرات المخابرات الأمريكية مع التقديرات الإسرائيلية على أن التحركات المصرية العسكرية \”استعراضية\” ولأجل التهويش، وربما تمت بغرض تخفيف الضغط الإعلامي القادم من السعودية والأردن وسوريا. (\”حرب الايام الستة\”، مايكل اورين).

لكن عبد الناصر كان يبالغ في هذه الاستعراضية ويتحدث في خطبه وتصريحاته عن الاستعداد للحرب، وأنها ستكون حربا فاصلة، بينما واصل عامر دفع قواته لداخل سيناء، رغم أنه ما كان ينوي سوى التخويف – في الأغلب – بعد أن دفعه ناصر للتخلي عن خطط هجومية خيالية، وبحلول 16 مايو كانت الفرقة الخامسة قد وصلت إلى سيناء، ثم تلتها فرقتان للمشاة (الثانية والسابعة)، وكانت الفرقة المدرعة السادسة والفرقة الرابعة في الطريق.. كل هذه القوات وقوامها مجتمعة قد يزيد عن سبعين ألف جندي هزت رابين وقادة العسكرية الإسرائيلية، خصوصا بعد أن وصلت قاذفات ومقاتلات مصرية لمطار بئر الثمادة في سيناء.

وفي 17 مايو قامت طائرتان ميج 21 من سلاح الجو المصري بطلعة استطلاعية فوق مفاعل ديمونة الذري في صحراء النقب، فتذكر الإسرائيليون تهديد عبد الناصر في اجتماع مع الأمريكيين في 1964 بأنه لن يقبل أبدا أن يمتلك الإسرائيليون قنابل ذرية، حتى لو اضطر لشن حرب انتحارية.

وخلال ساعات رفع الإسرائيليون درجة استعداد الجيش، ووضعوا سلاح الطيران على أهبة الاستعداد، وبحلول 19 مايو قدّرت المخابرات العسكرية الإسرائيلية برئاسة اهارون يارييف أن لدى مصر 80 ألف جندي في سيناء، معهم 550 دبابة وألف مدفع.

وطالب الأمريكيون إسرائيل – صراحة – بعدم البدء بالهجوم، فتعهد الإسرائيليون بهذا – شرط ألا تقوم مصر بإغلاق مضايق تيران.

……….

وفي الفترة من 15 مايو وحتى إغلاق مضايق تيران في 23 مايو، قام المشير عامر بتعيين عدد من محاسيبه في مناصب عليا في الجيش، ومنهم اللواء عبد المحسن مرتجى (رئيس النادي الاهلي فيما بعد) وهو نفس الرجل الذي استعمله عامر من قبل لضرب الفريق فوزي، وانتزاع بعض صلاحياته، وقال عامر لمرتجى إنه الآن يمكنه أن يصبح رئيس أركانه بدلا من فوزي، ولا حاجة بهم للاتصال بالقيادة العامة! لم يكن عبد الناصر أفضل كثيرا في إدارة علاقاته المعقدة مع الضباط الأحرار، خصوصا مع صديقه عامر، فهو نفسه عيّن فوزي – رغم خبراته الميدانية القليلة – رئيسا للأركان كي يقلل من صلاحيات عامر، ولأن فوزي كان مخلصا لناصر منذ تزاملا في الكلية الحربية!

كان الفريق فوزي، مندهشا من التطورات المتلاحقة في ضوء أنه قدم تقريرا لعامر يعّرف به ناصر، مفاده أنه لم ير أي حشود إسرائيلية على حدود سوريا، كما أنه اطلع على تقارير رئيس المخابرات العسكرية اللواء محمد أحمد صادق، الذي أكد جواسيسه في إسرائيل عدم وجود مثل هذه الحشود، وقال فوزي في مذكراته، المعنونة \”حرب الثلاث سنوات\”، إن الحشود الإسرائيلية المدعاة، لم تعد من وجهة نظر عامر السبب الأول أو الرئيسي لحشد ونشر القوات المصرية في سيناء.. كان عامرمثله مثل ناصر وغيره من أفراد الشلة الضيقة الحاكمة، غير مهتمين بالتفاصيل، وغير مستعدين للنظر في البدائل، ومساعدوهم يخافون منهم.. كان عامر وناصر والشلة يعتقدون أنه من غير المهم – في نهاية المطاف – إذا كانت هناك حشود أم لا، وإذا كانت إسرائيل تنوي في مايو 1967 مهاجمة مصر وسوريا أم لا، فهم كانوا يؤمنون – مثلهم مثل السوفييت- أن إسرائيل على أي حال، لديها خطط ونوايا توسعية وأنه يجب قهرها والقضاء عليها عسكريا.

لم يستثمر ناصر أو عامر الوقت والموارد المطلوبة لخلق جيش كفء في الستينيات، أو بعدما تبين لهم من قدراته الفعلية في ١٩٥٦ رغم شجاعة وبسالة الجنود، كما انشغل عامر ووزير الحربية شمس بدران ورجل المخابرات العامة صلاح نصر بالصراعات السياسية الداخلية وتعظيم المكاسب المحلية، ولم تكن المعلومات والبيانات المتوافرة عن قوة الجيش الإسرائيلي دقيقة، بل إن صور بعض الأهداف الإسرائيلية في خطة العمليات المصرية، كان ملتقطا في الحرب العالمية الثانية، أي قبل حرب ١٩٦٧ بأكثر من عشرين سنة!

وأخيرا.. كان عامر منذ أدائه المخزي وانهياره في حرب 1956 يتوق لحرب ينتصر فيها، رغم أنه لم يستعد لهكذا حرب.. متجاهلا تحذيرات الفريق فوزي وقادة آخرين، ادعوا أنهم أبلغوا المشير في عدة اجتماعات أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب، لأن الاستعدادات العسكرية في سيناء لم تكتمل.

………

ووفقا للكتاب الإسرائيليين ووثائقهم، فإن رابين ومستشاريه نظروا لتحركات الجيش المصري وتصرفاته – آنذاك- على أنه تنفيذ لخطة \”الأسد\” التي وضعها عامر، وتقتضي إقامة رأس جسر بري مع الأردن، تفصل بين شمال وجنوب البلاد، وتمنع إسرائيل من استخدام ميناء إيلات. كانت هذه الخطة تتطلب أن تنسحب قوات الطوارىء الدولية التابعة للأمم المتحدة تماما، وأن يتم إغلاق مضايق تيران مع وضع قوات مدفعية مصرية على رأس نصراني المشرفة على المضايق.

قام عامر بهذه الخطوات واحدة تلو الأخرى، ووافق عليها، وأعلنها ناصر. وفي مذكراتهم التالية، وفي التحقيقات، ألقى عدد من كبار الضباط المصريين بالمسؤولية على عامر، وفي اجتماع مع فوزي ومرتجى والفريق صدقي محمود – قائد الطيران- وفقا لمذكراتهم وأحاديثهم، بعد انتحار عامر، فإنهم حاولوا إثناء المشير عن بعض هذه الإجراءات.

……….

المشكلة الخطيرة في تبني نظريات المؤامرات الكبرى، أنها في نسختها الأردأ كثيرا، والسائدة الآن في سيرك مصر الإعلامي، لا تعني مطلقا بأي توثيق أو مصادر، وتعفي المسؤولين عن الحكم من المحاسبة والمساءلة، وبالتالي تفتح الباب واسعا أمام الترّهات والخرافات لتبرير الأخطاء الفادحة، وتخلق المناخ الملائم للسقوط في النكسات والهزائم.. مرة تلو الأخرى.

……….

عن الكاتب:

خالد منصور: كاتب مصري عمل بالصحافة وبالأمم المتحدة في السودان وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة ووسط آسيا والشرق الأوسط، وشغل منصب المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (٢٠١٣-٢٠١٥) ويكتب سلسلة مقالات عن حرب يونيو ١٩٦٧ بمناسبة الذكرى ٤٨ لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top