الأفراد بطبيعتهم في كل أنحاء العالم وفي كل العصور تهدف تصرفاتهم إلى زيادة المصلحة الشخصية والمكسب. الغالبية العظمى تبحث عن مكاسبها الشخصية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وسواء بالوعي المباشر أو بدون شعور.
لكن، عندما تأكل الناس بعضها وتحارب من أجل المصلحة الشخصية المباشرة، فإن الجميع يخسر، المجتمع ينهار ويخسر جزء كبيرا من كفاءته في الحياة وفي استخدام الموارد، ومن هنا ظهرت تطورات محاولة الإنسان أن ينظم الحياة وتطور مفهوم الأخلاق والقوانين وربما حتى مفهوم الدين.
أدركت المجتمعات ذلك على مر العصور، أدركت الحاجة لنظام يحكم المجتمع وينظم علاقة الأفراد ببعضهم بحيث تزيد كفاءة المجتمع ورفاهية الجميع، لكن هناك ظاهرة سيئة رصدتها \”نظرية اللعب\” Game Theory، وهي دراسة كيفية اتخاذ القرارات الإستراتيچية، وبالتحديد هي النماذج الرياضية في تحليل تصرفات الكيانات المنطقية في النزاع والتعاون.. هذه الظاهرة تكمن في أنه مع ملاحظة مكسب المجتمع ككل في وجود نظام عادل بين أفراده وكياناته نشاهد وجود مشكلة.
المشكلة تكمن في أنه في وجود نظام يلتزم به الجميع، هناك مكسب ينتظر القلة التي تخرق هذا النظام.. المكسب يكمن في استغلال وجود النظام واستغلال حصر خرقه على هذه القلة، ففي وجود نظام لتنظيم المعاملات المالية، يجد الفرد مصلحته الشخصية في التعامل بالسرقة والفساد في هذا النظام، وفي وجود نظام مروري في تنظيم سير السيارات يستفيد من يخرق هذا النظام بكسر الإشارة أو بالدوران من خارج الحارة المخصصة لذلك، يزيد مكسبه ويوفر وقته.
الخطر في هذه الظاهرة ليس في القلة القليلة التي تخالف النظام، لكن عندما يستمر الخرق ويلاحظ الآخرون مكسب القلة وتزيد محاولات الأفراد للمكسب الشخصي خارج النظام.
عندما تزيد النسبة التي تأتي بهذه الأفعال وتصل إلى الكتلة الحرجة، يبدأ النظام في الانهيار ويخسر الجميع.. تشيع الفوضى ويفقد الفرد إيمانه بالنظام وتنحصر كفاءة المجتمع وتستنفذ الموارد بدون حاجة.
دور الدولة هو تنظيم علاقة الأفراد ببعضها، وتنهار الدولة وينهار المجتمع، عندما تتخلى الدولة عن هذا الدور وتشغلها محاولتها لتحقيق مكسب لها وحماية نفسها، وتلعب دور اللاعب في اللعبة بدلا من دورها كمنظم لللعبة.
دور الدولة هو إدارة علاقة الأفراد في المجتمع، ويجب أن يدرك المجتمع ذلك ويطالب به.. لقد انهار النظام والمجتمع وسنستمر في الانحدار حتى ندرك أن جميعنا خاسر، وحتى من يتلاعب بالنظام، فهو خاسر أيضا.