خالد عبد الحميد يكتب: عزيزتي فرح

كنت بشتغل في أول الألفينات باحثا ميدانيا في مركز عن حقوق السكن، وكنت بنزل ازور عشش وبيوت بتقع، وناس ماضية على  نفسها ورقة إسمها إقرار الموت، علشان كانت قاعدة في بيوت مهددة بالسقوط بدل ما تقعد في الشارع، والحي عايز يخلي مسئوليته.

المهم في حواديت كتير عشتها في الشغلانة دي، بس الحكاية اللي مش ممكن انساها صاحبتها واحدة ست أربعينية كانت ساكنة في عشة، وكنا بنعمل بحث عن العشش دي علشان نشوف مين يستحق ونحاول نضغط عشان الشقق البديلة.

وأنا قاعد معاها قدام العشة بملا إستمارة وبتحكيلي وتقولي عايشين في العشة دي أنا ومرات ابني المحبوس، عليه  تلات سنين في قضية شيكات، قضى منهم سنتين وفاضل له سنة.. وعدّت علينا مرات الإبن وعلى كتفها عيل صغنن عمره شهور، فارتبكت شوية وماسألتش مين ده، فهي قالت لي فجاة: العيل الصغير ده يبقى ابنها، فمارفعتش عيني من الورقة، وخدت نفس عميق، وقررت اكمل من غير ما اسأل.. كملت معاها وخلصت وأنا بسلم عليها، فلقيتها بتقولي: ما تعدي علينا باليل يا هندسة.. عندي موضوع عايزة أخلصه معاك.. قلت لها وانا مبتسم على متوتر: ربنا يسهل.

مشيت وأنا بفكر، هي فاكراني واحد من الحي ممكن تظبطه بأي شكل علشان شقة، ولا فعلا شايفاني زبون ينفع تصطاده ليها، أو للبنت؟!

فكرت شوية صغننين، هي شايفاني إزاي؟ بس ماقدرتش أبطل تفكير، هو العيل الصغنن حكايته إيه؟ وكان الفضول هو الفيصل إني اروح باليل أشوفها عايزة إيه أيا كان اللي عايزاه، بس أعرف حدوتة العيل الصغنن.

وصلت العشة على عشرة باليل، وماكنتش قايل لحد خالص ع المشوار ده، ولقيت الست بتقولي: إحنا طبخنا شوية بامية ورز، وجبتلك إزازتين بيرة، ولا مالكش فيها؟ قلت لها: لأ بشرب، وتشكري، وقالت لي: أنا هدخل في الموضوع على طول.. إنت عارف عيشتنا عاملة إزاي، أنا عايزة أوريك حاجة.

وخدتني من إيدي ومشيت برة العشة بشوية أمتار، لحد ما وصلنا أوضة بباب، وقالت لي: ده الحمام المشترك بتاعنا.

قلت لها: شوفته الصبح.

ورجعنا، وفضلت تحكي لي، وإحنا بنتعشى ونشرب بيرة عن كل شبكات المصالح في العشش ما بين الأمن والسكان، من تدوير تجارة المخدرات والدعارة، وبتطلع من قصة لقصة بسلاسة شديدة مطعّمة ببعض الألفاظ الفشيخة، وأنا مبسوط جدا من الحكاوي، وتأكدت إنها عشمانة إني أقدر أوفر لهم شقة، ومستني العرض.. هتختار لي أي نوع من التظبيط؟ وقاعد بستعد هرد إزاي.

وقامت وجابت لي صورة إبنها المحبوس، وقالت لي: أنا جايباك هنا احكيلك الواد الصغنن جه منين.. أمه في اتنين إغتصبوها في الحمام، واكتشقت إنها حامل بعد شهور، وأنا قلت لها سيبي الواد، وأنا هتصرف مع إبني، ووقفت في كل الحتة وقلت لهم.. الواد مش إبن حرام.. الواد إبن العشة الصفيح، وسكتت.. وأنا كمان سكت، وأنا بلعن في بالي كل علماء الاجتماع والسياسيين والفنانين، وفضلنا ساكتين كتير، لحد ما هي قالت لي: أنا جبتك علشان احكيلك.. علشان إنت ماسألتش ولا علقت.

فقلت لها: أنا عايز امشي.. قالت لي: طب فكر إنك تعدي علينا تاني.. عدي على إبن العشة الصفيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top