سألني أولادي عن الثورة، كنا في يوم جميل من الأيام التي تلت تنحي مبارك مباشرة، كان كل شئ جميلا في الهواء، وكانوا صغارا جدا، لا يفهمون سر هذه الجلبة في الكون المحيط بهم.. اجلستهم حولي على الفراش، وقلت لهم بمنتهى الانشكاح: \”لقد قمنا بثورة أعظم من ثورة عبد الناصر\”.
وقتها كنت ناصرية الهوى، وكنت ارى أن ثورة يوليو عظيمة بإنجازها في التاريخ، لكنني كنت ارى أيضا أن تلك الثورة التي صنعها الناس أجمل وأعظم.. إنها الثورة التي شارك فيها كل بجهده، حسب مقدرته.. إنها إنجازنا الجماعي وحلمنا الجميل.. إنها نبت الشهداء والورد الذي يزهر في جروح المصابين.
لم اكن ادري وقتها أن الثورتين ستتصادمان.. أن ثورتنا ستواجه ذات يوم الآلة العسكرية الجبارة التي تنتمي لعبد الناصر، وأن حلمنا سيواجه بأفكار جيل ثورة يوليو.. الجيل الذي استراح للحكم العسكري، وتقولب على مقاس إنجازاته.
لا يدركون أن ثمة حرية لا يحدها سقف إلا السماء الزرقاء، وأن ثمة كرامة، لا هي منحة من الزعيم، ولا فضل له ولا منة، فالإنسان كريم بختم خالقه، ولا يرون أن ثمة أمن يتجاوز المساحة الهزيلة التي هي \”أفضل من سوريا والعراق\”.
حين عاد أولادي لمصر بعد الثورة، صدموا في أن بلادهم التي قامت بها ثورة أجمل من ثورة عبد الناصر، لم تصبح جميلة ولا عادلة.. لم استطع حتى الآن أن اشرح لهم أن مصر كلها ميدان حربنا من أجل الحرية. الميدان دائما غير نظيف وغير مرتب، لكنه يحمل بشائر الحرية.
ستنتصر ثورتنا على ثورة عبد الناصر، وسينتصر الناس على بيريه العسكري، وسينتصر حلمنا على قوالب البشر المعلبين في حلم الستينيات، لأن المادة الحافظة التي تحفظ جثثهم من التعفن سينتهي مفعولها ذات يوم قريب.
كل يناير وانتي طيبة يا مصر.