قبل سنوات ليست بعيدة كان النضال في هذا الوطن العربي الكبير نضالا من أجل الوطن.. الإنسان.. الفقراء.. الحريات.. كان لدينا مناضلين عظماء وفنانين وشعراء مبدعين وأغان للوطن وللحرية.
ماذا أضاف لنا ظهور الإسلام السياسي وحيدا في الساحة مدعوما بسطوة الدين؟
اقول لك يا سيدي:
صار النضال جهادا، وصار الجهاد من أجل الهوية, بل قل من أجل الطائفة.. تراجعت قيمة الوطن، ومحيت الحرية، أما الإنسان فقد صار في ذيل القائمة لاجئا أو مشردا أو مفجرا أو مذبوحا، وفي أفضل حالاته صار الانتحاري الذي يتحكم في زر التفجير, وصارت الأغاني إنشودات باهتة على شاكلة صليل الصوارم!
منطقتنا مؤهلة لذلك حقا، وربما كان مثل هذا الصراع ضروريا لتحسم المعركة, في يقيني أنها ستحسم لصالح التقدم للمستقبل ولصالح عقلانية حقيقية.
تعال نتحدث عن نموذج واضح لآفة هذه المنطقة التي تقف على حافة برميل بارود ديني طائفي يوشك على الاشتعال.. هل كنت معجبا بهداية الفنان المعتزل فضل شاكر وتوبته؟ كثيرا ما تعجبت من نبرة الثناء على توبة فضل شاكر، خاصة وأنها تأتي أحيانا من جانب مثقفين أو صحفيين أو أبناء شرائح طبقية مميزة.. كان وقع هذه الجملة على أذني كارثيا: \”لقد هداه الله\”!
فلنتأمل معا تلك الهداية المفترضة في الوعي الجمعي للعرب.
مبدئيا تفترض الجملة مسبقا أن اشتغال فضل شاكر بالفن هو درب من دروب العمل الحرام, طبعا الموسيقى والمعازف حرام من وجهة النظر الوهابية, ولم تبذل أية جهود مضادة لأصحاب نظرية الإسلام الوسطي الجميل لتأصيل عدم حرمانية الموسيقى! ما علينا.. بقية الحرمانية تنبع من تصور سائد مفاده أن أهل الفن يعيشون في عربدة مستمرة, وهو ما أشار له فضل شاكر في واحدة من درره الأثيرة المتداولة على موقع اليوتيوب، وبقدر ما تحمل هذه النظرة أصلا من اختراق صارخ لفكرة الحريات الشخصية, فما الذي يضيرك أو ينفعك إذا كان المطرب الفلاني عربيدا أو إذا كان فاضلا, ومتى يمكننا إعمال قاعدة: ولا تزر وازرة وزر أخرى، التي نزل الله بها واضحة في القرآن؟!
ما علينا تاني.. نأتي للسؤال الأهم، وهو وعلى افتراض أن الفن هو المهنة الحرام, وأن أهله عرابدة وسكارى, هل قارن أحدكم بين الضرر الذي يمكن أن يلحقه مثل هذا الحرام والعربدة المفترضة، وبين انخراط ذات المطرب بعد توبته في الحرب الطائفية المقدسة (اعترف في فيديو مصور على اليوتيوب بقتل اثنين وجرح ستة عشر)؟!
توشك المنطقة اليوم على الدخول في حرب طائفية واسعة النطاق, بعد أن نجحت المقولة الدارجة: \”إن الشيعي أخطر على الإسلام من اليهودي\”, هل كان من اخترع هذه العبارة صهيونيا بامتياز؟! إذ أنه نجح في تحويل المعركة من كونها صوب العدو الإسرائيلي، لتصبح هذه المرة صوب الجار الشيعي أو الجار السني، حسب موقعك من مدرج الطوائف في الوطن الكبير الذي لم يعد كبيرا، إذ أنه مؤهل لمزيد من التفتيت؟!
وجب التنويه قبل أن أنهي هذه الفقرة للتأكيد على أنه، لا اليهودي ولا الشيعي يمثلان خطرا على الإسلام الذي يفترض به احترام التنوع داخله كما احترام العقائد الأخرى.
لم يعد الوطن وطنا، إذ أنه لم يعد قادرا على أن يجمعنا ولا أن يحمينا, ولم يعد كبيرا, فلا شئ يكبر عند استخدام مقياس الطائفة, ولم يعد الإنسان إنسانا، إذ أنه بقى بين أن يكون قاتلا أو مقتولا, ولم تعد الحياة حياة، إذ أنها محملة برائحة الدم.. إنه زمان الطائفية.. هل حاربت من أجل طائفتك اليوم؟