اتفكر في فكرة الدعاء, يعرف الله ما نريد يقينا, ويعرف ما يصلح حالنا أكثر مما نعرف, لكنه يطلب منا أن نطلب منه, بلساننا وبقلوبنا, لماذا يطلب؟
الله يريدنا أن نكون حاضرين في المعادلة, لا دمى تتحرك حسب المشيئة الكبرى, اشعر أن إعلاء الله من شأن الدعاء, حتى إنه يقول إنه لا يعبأ بنا لولا دعاءنا هو قمة التكريم للإنسان, هو ما يثبت أن علاقتك بالله هي ديالوج وليست مونولوج, وأن إرادتك وقراءتك للواقع وعقلك وروحك حاضرين بأكثر مما تتصور, حاضرين لدرجة أن الدعاء يغير القدر, إنها طاقة الروح التي يمكن أن تغير العالم أكثر نحو الخير.
منذ بدأ رمضان حاولت جاهدة تكثيف العبادة, كنت الهث لانتهي من ختم القرآن الكريم في زمن قياسي وكأنني في مسابقة جري, لكنني كنت كلما لهثت في القراءة لانهي المصحف في أقل وقت ممكن، أصاب بوعكة صحية تلزمني الفراش لأيام, افيق منها لاعود للهاث خلف الزمن فأصاب بوعكة جديدة, حتى وصلت الرسالة, لا تلهث وراء الله, والعبادات ليست مسابقة ركض.
منذ وعيت وأنا من المؤمنين بقيمة السعي, حين تبذل جهدا بإرادة نافذة للوصول إلى الله وتقديم الطاعات حتما ستصل, حسب قاعدة \”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا\”.
المجاهدة هنا لا تنتمي إلى جهاد داعش ولا السلفية الجهادية, إنه جهاد الروح، وهو الأكثر طهرا من جهاد الدم.
في هذا الشهر، أدركت أن قليلا من البطئ يصلح التجربة, ربما تكون الهرولة إلى الله الأنسب في زمن وفي تجربة وفي طريقة, لكن في سياق آخر قد يكون الأنسب هو السكون بين يدي الله.. التسليم, ثم إن البطء يعني التلذذ بالعبادة, استطعام الحروف, أن تترك الآية ترتاح في قلبك.
يريدنا الله أن نعلم أن الأشياء الأفضل هي الاشياء خارج النمط, وأنه لا يوجد تراك للجري كالموجود في النوادي الرياضية، وأن العبادة ليست سباق سرعة.
أصلي جماعة, للجماعة قيمة كبرى في الإسلام, تنزعج السيدة التي تصلي أمامي لأن ثمة فرجة في صفنا تفصل بيننا وبين ثلاث مصليات، اخترن مكانا آخر في الصف دون أن يحافظن على لحمة الجماعة!
يقولون إن هذه الفرجة هي التي ينفذ منها الشيطان! افكر.. من أي فرجة يا ترى نفذ الشيطان إلى صفوفنا وعلمنا الكراهية والتعصب وجعل كل مسلم يتشكك في إيمان أخيه ويعلن في وجهه الحرب المقدسة؟!
اعلم قيمة الجماعة في الإسلام, فصورة التلاحم في صورة المصلين صفا واحدا مستو تعني الكثير من قوة الجماعة ووحدتها وتلاحمها، لكن في واقع الأمر نحن لسنا كذلك.
من زمن طويل، حين كنت اسأل عن مذهبي أو فريقي الديني كنت اقول أنني لست من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.
بعد سنوات اتسعت دائرة إيماني، فصارت الإنسانية ككل, فالله خلق البشر جميعا ويريد الخير لهم جميعا حتى لو لم يكونوا ضمن الدائرة الضيقة للمسلمين أو أصحاب الديانات الإبراهيمية أو حتى المؤمنين, افكر متى سنسد الفرج مع الإنسانية بمفهومها الأشمل!
في رمضان هذا.. اسير إلى الله بخطى أكثر هدوءا, فقد تعلمت أن كل ما يكتبه الله خير, بشرط أن ننصت باخلاص للرسالة التي يتركها خلف الابتلاءات والعطاءات.. هذا التسليم هو العطاء الأكبر الذي منحه الله لي.