فتاة صغيرة بكماء، تضيع من أمها في بلاد غريبة، بكت فتياتي الصغيرات في دار السينما وهن يشاهدن هذا المشهد من الفيلم الهندي BajrangiBhaijaan على عكسهم، كنت ادرك أن الطفلة المتروكة في الخلاء، ستبدأ للتو رحلتها التي كتبها الله لها لتحقيق الأمنيات، كانت وأمها، قد انتهيتا من زيارة مقام ولي الدين في دلهي، طلبا لشفاء الصغيرة البكماء، وهما الآن في رحلة العودة، سيحقق الله مطلبهما، لكن لابد للصغيرة أن تخوض رحلتها حتى تصل.
في القطار يوقظها ليلا صوت شخير رجل، كانت أمها مستغرقة في نوم عميق، من نافذة القطار تجذبها مشاهدة الخراف الصغيرة تلعب في أرض عشبية، ثم تنتبه لخروف في حفرة لا يستطيع الخروج منها و يثغو طلبا للمساعدة، الخروف هو صديقها من عالم الحيوانات إذ أنها ابنة راعي أغنام فقير من كشمير، تنزل الصغيرة بدافع من قلبها الرحيم لتنقذ الخروف، وحين تحتضنه بوداعة، يكون القطار قد تحرك وبداخله أمها، بينما هي متروكة في الخلاء، في ظلام يصير دامسا بعد اختفاء آخر لمحة للقطار تماما، كأنما ثمة عالم آخر يبتلع القطار داخله، عالمها القديم، تاركا الطفلة في غربتها الجديدة، الغربة هي أول محطات التجربة.
افكر كثيرا ماذا لو لم يوقظها شخير الرجل، وماذا لو لم تدفعها المحبة في قلبها للذهاب لانقاذ الخروف، ماذا لو لم يوجد خروف أصلا؟ افكر فيما لو كانت \”شهيدة\” وهو اسم الطفلة، واصلت رحلتها نحو بيتها بلا توهان ولا ضياع ولا رحلة، ربما لم تكن لتشفى، ربما كانت ستواصل حياتها العادية بينما لديها أمنية ملقاة في صندوق مغلق لا مفتاح له.
اعتقد أن الله أرسل لها ذاك الرجل ذو الشخير، وذلك الخروف في تلك اللحظة، كي يدفعها دفعا لخوض تجربتها.. تجربة ما كانت لتخوضها أبدا بإرادتها الحرة. ما من أحد منا قد يقبل ساعيا لتقبل مرارة التجربة، لكن جميعنا ندرك لاحقا حكمتها ومنحها الفياضة.
في غربتها تلتقي شهيدة بشاب ينتمي للطائفة البرهمية في الهند، طيب حد السذاجة؟ تتعلق به وتتبعه كأنما ألهمها قلبها ألا تثق إلا به، هو الآخر يتعلق بها ويعطي وعدا أن يعيدها لأهلها، محبة كبيرة تجمع الطفلة الباكستانية بالهندي \”بافان\” الذي يخوض رحلة صعبة من أجل حماية الطفلة، وينجح أخيرا في إعادتها لأمها.
أخيرا نطقت شهيدة، كان ذلك هو المشهد الذي بكيت فيه، كانت شهيدة تستجمع صوتها المفقود، مرة وراء الأخرى حتى نطقت لأول مرة وهي تنادي بافان: \”يا عمي\” في مشهد الوداع، نطقت أخيرا.. يبكيني تحقق المعجزات، لأنني ادرك أنها تتحقق فعلا، لكني ادرك أيضا أن لكل معجزة طريق، هو في الأغلب طريق وعر.
قال له الصحفي الذي رافقه في رحلته: إما أنك شجاع جدا أو غبي جدا، وأنا اصدق أنه كان شجاعا وغبيا في ذات الوقت، فإذا كان الله في قلبك مثل بافان، فإنك ستتمتع بشجاعة فائقة، إذ أنك ستدرك أنه معك أينما كنت وكيفما كنت، فإذا كان معك، فما يهمك من أمر ذلك الكون كله، وإذا كان الله في روحك، ستتضاءل أيضا قيمة عقلك، لتدرك بالروح ما لا تدركه العقول.
الحب يصنع المعجزات ويبدو أن شهيدة احتاجت قدرا كبيرا جدا من المحبة كي تتحقق معجزتها، قدر من المحبة لم يتوفر إلا في قلب بافان النقي كمصباح نور، لذلك كان لابد من الضياع، وكان لابد من الرحلة حتى يتم اللقاء، وكان لابد من الصعوبات التي تعترض الطريق كصخور شلال تعترض نهرا فتزيد من تدفق مائه.
يقول صناع الفيلم إن القصة حقيقية، قد لا تصدق، وقد تصدق إذا منحت تجربة مماثلة.. يسيرك الله بها عبر دروب مختلفة حتى ترى ما تمنحك إياه الرحلة.