قلت لهن: \”اريد أن اطفش من هذا البيت\”
ردت الفتيات الصغيرات تباعا:
– وأنا كمان
– وأنا كمان
– وأنا كمان
ضحكت صديقتي حياة وقالت: \”المصيبة كلكم تهربوا لنفس المكان\”.
تراودني منذ فترة طويلة رغبة عارمة في المغادرة.. لا اريد أن اغادر البيت فحسب, لكنني اريد أن اغادر هذه الحياة.
احب الألعاب الإلكترونية, لكنني دائما ما ارتكب اخطاء كارثية في اللعب, وفي كل مرة حين اخطئ، أول ما يتبادر لذهني، هو انهاء هذه الدورة من اللعب.. اسميها \”البولة\”، ونبدأ من أول وجديد \”على مية بيضا\”.
اشعر أن هذه \”البولة\” من الحياة هي الأخرى باظت، وتستحق أن نقلب أوراقها ونبدأ من أول وجديد \”على مية بيضا\” أيضا.
اقر واعترف انني منحت في هذه الحياة منحا كثيرا, لكنني ادرك أيضا أن المنحة الحقيقية لهذه الحياة بالنسبة لي هو الأشياء التي تعلمتها.. أشياء كثيرة تعلمتها، ومدارك كثيرة ادركتها, افكر كثيرا في أنني لو كنت اعرفها في بدايات الحياة، لتغيرت حياتي كثيرا.
أشياء صغيرة جدا وأشياء كبيرة.. أشياء تبدو تافهة جدا كارتداء الكعب العالي، وأشياء تبدو عظيمة كالصبر والتقاط الأنفاس والثقة بالنفس.
اريد أن اختبر معرفتي الجديدة في حياة جديدة، سأولد فيها بنقاء قطرة ماء، لكنني سأكون أيضا بعمق المحيط.
في حياتي القادمة سأطلب من الله ألا يخلقني في منطقة تشغل عقلها بالصراعات العرقية والمذهبية, ولا الجهاد المقدس, الله يعلم أن روحي تريد فسحة من السلام, لذا فأول ما سأطلبه من الله هو ألا أولد هنا, لا مزيد من الشرق الأوسط.
لعلي أولد في مكان يشغل نفسه بالثقافة والمعرفة والفنون, لعله يمنحني بيتا بحديقة, ويعفيني مشقة السعي من أجل \”أكل العيش\”.
سأطلب من الله أن يخلقني في مدينة جميلة، فقد جفت روحي من هذا القبح المحيط, وسأطلب أن تكون المحبة هي ما يربط البشر الذين اعيش معهم, لا مشاحنات ولا مشاجرات, لا حقد ولا غيرة ولا كراهية.
في حياتي الجديدة سأطلب من الله ان اكون أكثر رشاقة, ربما يمنحني روح عصفور أو يمامة، وستظل روحي تبتهل أن تكون قريبة من البحر, لقد تعلمت أخيرا أن \”عرشه كان على الماء\”، وأنا اريد أن اقترب واقترب واقترب.
في حياتي الجديدة، سأحتفظ بكوني أنثى وساتجاهل كل القيم التي تحط من شأن الإناث والتي تحيط بالهواء الذي نتنفسه منذ الميلاد.. في حياتي القادمة اريد أيضا أن اكون أما لثلاثة اطفال رائعين أو ربما أكثر, لكن لعل الله يمنحني فرصة أن اربيهم بلا خوف من المستقبل وبلا كد كبير.. سأطهو لهم كل يوم، وستفوح رائحة التوابل الطيبة من مطبخي.
في الحياة القادمة سأطلب من الله أن يجعل الرجال أقل غرورا, أو لعلهم يفعلون ذلك بمحض إرادتهم بحكم التجربة, فقد عشنا حياة مريرة بسبب غرور الرجال وقساوتهم.
في حياتي القادمة، سأحتفظ أيضا بكوني سمراء, لعلي اشبه أكثر وأكثر الطبيعة الأم.
في حياتي القادمة لن ادع فرصة للحياة إلا وسارتشفها وسأتخلى عن خوفي, كما أنني لن اعلق أمالا كبيرة على الأمل, فقد خدعني ذات مرة ولن يخدعني مجددا.
في حياتي القادمة ساتحول إلى شجرة عتيقة تعانق المطر, وتضرب بجذورها في الحياة, لكنها ستمنح الظل للجميع.