حنان كمال تكتب عن حكاية نور وحذاء الباليه الصغير 

سأحكي لكم اليوم حكاية عن بنت صغيرة اسمها نور.. هي صغيرة نعم، لكنها على اعتاب الصبا, جميلة ويافعة ولها شعر يشبه شعر جنيات الحواديت, وعيون صغيرة دائما ما تبتسم, هي جميلة للغاية حتى إن كل من يشاهدها يسألها: من أين اتيتي بكل هذا الجمال؟

تحب نور دروس الباليه, حين تراها ترقص الباليه يخيل إليك أنها هي نفسها قطعة من الموسيقى, وكأنها تذوب في الهواء وتتحول إلى فراشات وردية اللون.

تحتاج نور إلى حذاء باليه يناسب مقاسها, طافت مع أمها في هذا اليوم كل متاجر المدينة بحثا عن حذاء باليه على مقاسها، لكنها لم تجد, كل الأحذية صغيرة، وكأن دروس الباليه خلقت فقط للفتيات الصغيرات, تكبر قدما نور ولا تجد حذاء باليه مناسبا لها.

في هذه الليلة بكت نور كثيرا, وطلبت من الله أن يقطع الجزء الذي يكبر في قدميها, ليناسبها مقاس أحذية الباليه الصغيرة, نامت والدموع  في أعينها, وحين نامت نور زارتها جنية الأمنيات والأحلام.

كانت الجنية جميلة ولها أجنحة زرقاء شفافة, ترتدي تاجا من اللؤلؤ, ابتسمت لنور, لكن الصغيرة كانت ما تزال تبكي, حاولت الجنية أن توقف بكاء  نور, ألقت فوقها الكثير من النجوم اللامعة والبالونات الملونة, لكن نور كانت مستغرقة في حزنها, نهضت نور من فراشها عازمة على شئ واحد, اقتربت من الجنية وأخبرتها أمنيتها الوحيدة, كانت أمنية نور \”أن تساعدها الجنية كي تتوقف عن النمو, لا تريد أن تكبر أكثر من هذا\”

تريد أن تحتفظ بمقاساتها الصغيرة, أن تجد الفساتين التي  تحبها في محلات الأطفال بمقاسات تناسبها, تلك المزينة بالتول البمبي، والأخرى التي لها أجنحة , تلك الأثواب ذات الفيونكات الجميلة, وكذلك الأحذية اللامعة , كل هذا طبعا ومعه فستان الباليه الوردي وحذائه الخفيف جدا. وعدتها الجنية انها ستفكر في كيفية مساعدتها .

في أثناء نومها رأت نور نفسها وهي صغيرة جدا, طفلة لم تتجاوز عمر الطفولة الأولى، ترتدي ثوبا جميلا من الشيفون الوردي, كانت تلعب في حديقة, تجري وتلهو كما يحلو لها, بعد قليل رأت نور اختها الأصغر سارة  تواصل رحلتها في الحياة , تكبر وتكبر.

رأتها تغادر الطفولة الأولى وتدخل عالم الكبار, ترتدي الكعب العالي , رأتها وهي تضع أحمر الشفاة, كانت تراقب من بعيد علاقة الحب الأولى لاختها, والقبلة الأولى والخجل الذي يعتري وجهها كلما تحدثت مع حبيبها. كبرت سارة الصغيرة ودخلت الجامعة وتخرجت بتفوق, ثم صارت تشاهدها كل يوم وهي تتأنق في الصباح لتذهب إلى عملها, ترتدي تنوارات حادة القصة وقمصان حيادية اللون، لكنها تبدو مليئة بالحياة بالنسبة للفتاة التي تنزل على عجل دائما، فأمامها كثير من المهمات, أمامها عالم كبير تمسك مفاصله بعزيمتها القوية وتغيره رغما عنه.

بينما ظلت نور صغيرة جدا لا تغادر ألعاب الطفولة, تزوجت اختها, رأتها تزهو بالفستان الأبيض إلى جانب عريسها, بعد قليل انتفخ بطنها لتأتي بابناء صغار, تمنحهم للحياة, يكبر الصغار فتلعب سارة معهم , تستعيد طفولتها في حديقة ابنائها الصغار.

رأت نور أختها تواصل السير في حياة بدت لها وكأنها حديقة الكبار مزهرة بأمنيات ملونة, صحيح أنها ليست وردية، لكنها جميلة وملونة.

نظرت نور لنفسها وجدت أنها خسرت كثيرا جدا, إنها ما تزال ترقص الباليه, ترتدي الأحذية الصغيرة, الفساتين المصنوعة من الشيفون والدانتيل, لكنها لم تدخل بعد تلك الحديقة الملونة, عالم الكبار.

كان جرس المنبه يدق في الخامسة صباحا, استيقظت أخيرا في موعد المدرسة, اكتشفت أن كل ما رأته كان حلما صغيرا, نفضت نور عن رأسها الجميل حزنها, وقررت أن تستعد بحماس لأن تكبر وتكبر كي تحقق أحلامها في حديقة الكبار, ذهبت إلى حصة الباليه بلا حذاء, استعاضت عنه بجوربها الصغير, رقصت ورقصت ولم تتوقف عن الرقص، حتى وهي تكبر وتدخل حديقة الكبار الملونة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top