حنان كمال تكتب: عن جوهر الإيمان.. كيف تخلع نفسك؟

حين دخلت المسجد كانت تصلي, ادركت أنها غير محجبة, مثلي تماما, فقد كانت ترتدي إسدال الصلاة الخاص بالمسجد, عند غيرنا من المتدينين نصنف دائما بأننا الأقل إيمانا.

لفتني أنها كانت تصلي ببطء وورع, بينما كنت متعجلة للحاق باجتماع عمل, انتهت من صلاتها وتسابيحها, فقلت لها: \”تقبل الله\”, ردت علي التحية بوجه باسم, لكنها لم تشأ أن يمر الموقف دون أن تنصحني بارتداء جوارب للصلاة.

اخبرتني أنها سمعت من كثيرين أن إظهار القدمين يبطل الصلاة, وأنها بحثت على الإنترنت، فوجدت الكلام صحيحا, لا اعلم لماذا اغاظني الكلام.. أنا معتادة على نصائح النساء في المساجد والتوصية بالحجاب, ومعتادة بالأساس على اعتباري لدى الجميع الأقل تدينا, كنت الهث لألحق بالاجتماع، لكنني اخبرتها أنني بالأساس اصدق أن من المقبول شرعا أن تصلي المرأة بدون غطاء رأس أصلا, فالصلاة أولى من اللباس.

تجادلنا قليلا، أخرجت مسبحتي الخشبية, لربما اردت أن اقول لمحدثتي إن ثمة صلة بيني وبين الله, بعد دقيقة واحدة ادركت أنني اقوم بما لا يجب, التفاخر والمباهاة بما ينبغي أن يكون بيني وبين الله , استغفرت الله وانصرفت.

رأيتها مرة أخرى في منتصف النهار، وهي تدخن سيجارة, كان كل شئ يمنحني فرصة تاريخية للإجهاز عليها أخلاقيا, لكنني كنت قد عدت لرشدي. في تصوري أن المرأة غير المحجبة والمدخنة أكثر مني ورعا، وإن صور لي شيطاني العكس في لحظة من اللحظات, هي تتوخى اكتمال العبادة, وأنا يصور لي غروري أن قلبي أكثر معرفة, من يدرينا أن قلبه هو الأكثر معرفة.

خطيئة الإنسان الكبرى هي أن يصور لنفسه أنه الأفضل, فإن لم يجد نفسه الأكثر ثراء أو الأجمل أو الأكثر نجاحا أو الأكثر ثقافة ومعرفة, اراد أن يكون الأكثر قربا لله, ليس في جوهر الأشياء، لكن في بينة التراتبية الاجتماعية.. أنت تريد أن تصور لنفسك وللمحيطين أنك الأكثر قربا لله, مع إن الحقيقة أنه إذا كنت الأكثر قربا حقا، لما كنت ستهتم بكل هذا الهيكل الاجتماعي المحيط, كنت سترى بعين قلبك إلى أي درجة هو هيكل واه ووهمي.

لا اعول كثيرا على الحجاب كمعيار للإيمان من عدمه, اتصور أن الله ينظر أكثر إلى قلوبنا, يقول لي صديقي إننا اعتدنا أن النساء المتبرجات هن أقل في السعي إلى الله, والتزاما بالعبادات.

لا اجد إجابات, فأنا لم اعتد أن اضع نفسي في موضع الحكم على قلوب الناس, ولا اعرف كيف هي قلوب المتبرجات، ولا كيف هي قلوب المحجبات, هو أعلم بمن اتقى.

مررت بأزمات كبرى في حياتي, لكنني مدينة لفضل صديق ينتمي للتيار الإسلامي, هو محافظ وأسرته كلها من المحجبات, لكنه نصحني في الأيام الأولى للأزمة أن علي أن أكون نفسي, وألا اخضع للضغوط فيما يخص مسألة الحجاب, كان يدرك أن هناك من يهمس في أذني أن علي أن اتقرب لله بالحجاب ليخرجني من أزمتي, وهو منحني مفتاح الحل بأن قال لي \”كوني نفسك\”, أخبرني أنه يتذكر دائما أحمد بأغنيات الشيخ إمام التي أهداها له أثناء الثورة.

أنا مدينة لهذا الصديق بالوصفة التي استطعت أن اصمد بها في وجه عواصف عاتية.. إنهارت حياتي تماما, حتى إن شعري سقط كاملا, ولم اعتبر هذا مبررا لارتداء الحجاب, ولم اعتقد أن الحجاب هو وسيلة تقربي لله, كنت كما قال لي تماما \”أنا نفسي\”, وحينما كنت نفسي بلا زيف ولا نفاق، فقد وجدت طريقا لله, لا ادعي أن طريقي لله هو الأصوب، لكنه ما ارتآه قلبي في سعيه المخلص .

أدركت أن جوهر الإيمان هو ذلك الإحساس بالخضوع الكامل لله, ذلك الخضوع الذي يشبه سجودا دائما, الخضوع حتى وكأنما تخلع نفسك منك لتملأ فراغ روحك بالله, تخلع الدنيا وزخرفها, يستوي في ذلك امرأة محجبة تخلت عن زينة شعرها لله، أو فتاة ترتدي لباسا بسيطا بلا حجاب, أو حتى امرأة ترتدي لباسا جميلا لأنها تدرك دائما في قرارة نفسها أن الله جميل يحب الجمال.

استغفرت الله كثيرا على مجادلتي المرأة حول الحجاب, لأنني حين حاججتها، لم اكن قد خلعت نفسي, بل إن غروري قادني لأثبت أن لدي معرفة أكثر، أو أن لي صلة أكبر بالله, هذا هو الذنب الذي استشعره حقا، واطلب من الله الصفح بسببه.

لو ادرك كل منا أن غرور قلبه هو الذنب الأكبر الذي يفسد هذا الكون الجميل, فلربما استعدنا السلام.

استغفر الله العظيم, هو التواب الرحيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top