حنان كمال تكتب: رسالة إلى أحمد نصر في عيده الأربعين

ها هي لحيتك تكتسي بالشيب كما كنت تتمنى, وها أنت تدخل سن النبوة كما كنت تشتهي, لم يكن يخيفك التقدم في السن قط يا صديقي, وها أنت ذا تتقدم في العمر، جالسا إلى جواري على كرسيك، لا يشغل بالك سوى تدخين سيجارة نمنعها عنك بأمر الأطباء.

هل تتذكر وعدك لي أنك ستكتب أولى رواياتك حين تبلغ الأربعين؟ وحين سألتك عن سر الأربعين، قلت لي إنها سر النبوة, فها هي النبوة تحوم حول رأسك الجميل، فأيقظه وعد, عد لنا كما كنت، فأنت لا تعلم كم افتقدك, لا تعلم كم يفتقدك كل هذا العالم.

لعلك نسيت, قبل يومين.. حكيت لك عن المشاريع الطموحة التي خططت لها بعد ثورة يناير, برقت عيناك انبهارا بالأفكار، وكأنها ابنة عقل غير عقلك, وعدتني أن تواصل العمل عليها، لكنك لم تفعل, اعلم أنك نسيت, فهذا الشئ المتآكل في ذاكرتك يحاصرك، وبقدر ما يحاصرك، يحاصرني.. يحاصر رغبتي بأن تعود الحياة لمسارها المعتاد.. يحاصر أملي في أن تعود.

قبل يومين حلمت بك, كنا نحلق معا من أعلى فوق عالم مترب باهت ورمادي, إنه عالمنا.. إنه باهت ورمادي ومترب، لأنه وحيد تماما, بعدما هجرناه نحو فضاء جديد, فضاء المرض, يشبهني هذا العالم, فأنا وحيدة بدون حضورك كاملا, عالمي لا لون له، وحياتي لا معنى لها, وقلبي صار رماديا من فرط الأسى.

لم يكن وجودك يا حبيبي يكملني، بل كان كل شئ, وكل الوجود.. حتى ما إذا غبت، بدا كل شئ عدما أو مواتا.

افتقد حواراتنا معا, تلك الأفكار العظيمة التي تمدني بها، أو تحفز ذهني على انتاجها, افتقد مناكفاتنا, ومنافستنا, والغيرة المهنية بيننا, كنت تتيه بموهبتك واتيه بموهبتي, ويشحذ كل منا عزمه من أجل إثبات أنه الأفضل, لعلك تذكر, ها آنذا الآن وحيدة تماما, لا ارى موهبتي ولا اعمل عليها.. فقط ارقب الريح العاصفة التي تحاول أن تقتلعني من جذوري.

في غياب عقلك الجميل، لا اعلم بماذا سأتشبث ولا لماذا اتشبث, لا اعلم أصلا إن كنت سأصمد ولا لماذا ينبغي عليّ أن أصمد.

كنت اليوم اتمشى في المول, وكلما هممت أن اشتري شيئا ما لي أو لك، اشعر أنه لم تعد لنا حياة كي نرتدي فيها ثيابا أنيقة، فاتوقف عن الشراء, تذكرني الثياب الأنيقة بك,  تذكرني أنت عموما بكل بهجة في هذه الحياة, في غيابك توقفت الحياة وتوقفت البهجة, صار ما يعاش هو الحد الأدنى الذي يضمن للحياة استمرارها, لعلها ذات يوم تعود كما كانت.

افتقدك يا عزيزي.. افتقد عطاءك الذي كان وفيرا تجاه هذا العالم.. افتقد صحبتك التي لطالما طمأنتني, وأنا اخوض غمار الأزمات.. أزمة وراء أخرى، وأنت تخبرني أنني قوية، فاكون قوية, تحقيقا لحسن ظنك.. تتلو لي كثيرا آية: \”وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه إلا ليميز الخبيث من الطيب\”.. هل كنت تدرك أنني لاحقا ساحتاج إلى القدر الأكبر من الصبر والقوة في مواجهة الحياة؟!

افتقد يا عزيزي حواراتنا معا, خيط لا يقطعه النسيان, ولماعية ذهنية لا يطفئها انعدام التركيز.. افتقد رعايتك وحنوك عليّ بعيدا عن هذا اللا اكتراث الذي صرت تواجه العالم به, افتقد اعجابك بنفسك, حضورك وزهوك.

ها أنت يا عزيزي تدخل سن النبوة، وأنا اعلم أنك قادر على أن تفلت من أسر هذا التيه الذي سقطنا فيه.. اعلم أنك لو فعلتها تكون قد حققت معجزتك, لا اقول لك افعلها لأجلي, فما هو أهم، هو أن الحياة التي تحلق بعيدا عنا تستحق أن تعاش, افعلها إذن من أجل الحياة.. من أجل أن نستعيدها معا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top