أنا لا احب الإخوان , لدي موقف محدد وصارم ضد خلط الدين بالسياسة وضد اليمين السياسي والديني بشكل, تشكلت لدي كما لدى الكثيرين بعد الثورة مخاوف من مستقبل مصر تحت حكم الإخوان, إلى أي مدى يمكن أن تتدخل السلطة في الحريات الشخصية باسم الدين؟ هل يمكن أن نتحول للنموذج الإيراني حيث اختطف الملالي الثورة واعدموا قياداتها؟ هل يمكن أن يكون الإخوان سلمة في تصاعد المتطرفين للسلطة, فنرى بعدها الشيخ أيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي خلفاء لمرسي ؟
أنا كذلك لا احب الانتهازيين من الساسة, والإخوان قد سلكوا كل مسالك الانتهازية في ثورة يناير, منذ تحالفوا مع العسكر في وقائع استفتاء مارس الشهير المشؤوم، وربما من قبلها, يوم \”قالت الصناديق للدين نعم\”، ودخلنا بعدها كل منزلق ممكن ومتاح.
لا احب الإخوان، ولم اصوت لهم ولا مرة، ولن اصوت, فلدي موقف مبدئي لا يجعلني اساوم على ما اعتقد أنه صواب, ووقتما خيرتنا الصناديق بين أحمد شفيق ومحمد مرسي، لم استطع أن اخرج من بيتي لاختار أي من الاثنين.. كان تقديري -وقتها ومازال- أن الطرفين أعداء الثورة والثورة لا تصوت لأعدائها.
قبل 30 يونيو، أصبت بتوتر شديد.. كنت ارغب مثل أغلب من أعرفهم في تخليص مصر من حكم الإخوان.. كان آداء السلطة السياسية، وعلى رأسها محمد مرسي، يصل لمستوى العار ولا تصفه كلمة أقل, لكن كان الصراع السياسي ولأول مرة يتهددنا بالمجهول, كانت كل الاحتمالات صعبة ومجهولة.. ماذا لو نجح الإخوان وبقوا في السلطة، وقُضي على الطرف الآخر الذي كنت أقرب للانتماء له؟ طب ماذا على الوجهة الثانية إذا تم إقصاء الإخوان, من البديل؟ وهل سنحافظ على مكاسب ثورة يناير ومسارها الديموقراطي؟ ربما كان إدراكي بضعف البديل المدني اللاديني واللاعسكري هو مبعث كل قلق.
مرت الأيام، واكتشفت أنه ليس مجرد ضعف, لكنه فراغ كامل, باتت الصورة الواضحة أن مصر هي بلد اللاشئ.. كل شئ فيها موجود، لكنه منعدم ولا يساوي أكثر من وزن قشرة ثوم.. لا الجيش الذي نتباهى به بصفته عنوان الكرامة والدولة وفق الكلاسيكيات الوطنية هو في الحقيقة جيش يمكن أن نثق في آدائه حين نواجه الخطر, ولا القوى الدينية – الإخوان والسلفيين- الذين أوهمونا طويلا بصلاحيتهم كبديل للنظامـ وبأنهم يسيطرون على الشارع يمتلكون بديلا حقيقيا في الرؤية، ولا التطبيق.. نفس الأمر ينطبق على القوى المدنية، وهي لم تدع شيئا.
الفراغ الذي اشعر به حولي، جعلني اغض طرفي عن السياسة تماما طوال أكثر من عام, فلياخذ السلطة من شاء وليفعل بها ما يشاء, أما أنا، فأعيش في قوقعة احاول أن تبدو آمنة ومسالمة قدر الإمكان.
كنت أنزل للمشاركة يوميا في تظاهرات 30 يونيو, بصحبة صديقتي منال محمود, ألقيت يومها علينا أعلام مصر من طائرة حومت فوق ميدان التحرير, فرحت منال بالعلم الذي التقطته بين يديها كأنه طفلها.. اتذكر حزن منال الشديد حين ضاع منها العلم, فنحن نحب هذا الوطن حقا, ليتهم يدركون.
بعدها بأيام كانت منال ضمن زملاء آخرين مقبوض عليهم, أما أنا، فالحظ وحده كان قد ساهم في أن انجو من قضاء بعض الوقت في الحجز كالمجرمين واللصوص, فقد آثرت أن انزل للاستماع لكلمة – الفريق وقتها- عبد الفتاح السيسي في ميدان التحرير.. كنا في ثورة، وكان ميدان التحرير هو بركتنا.
من يومها وانا أمارس غض الطرف.. يوم 14 اغسطس, حين جرت مجزرة الحرس الجمهوري, استيقظت – يومها- وأنا اشعر بطعم الدم في فمي, لكنني تجاهلته, كذلك يوم فض اعتصام رابعة, كان لدينا من الحجج والبراهين أننا في المعسكر الصحيح, فالطرف الآخر إرهابي, يحمل السلاح.. الطرف الآخر أفسد استخدام السلطة حين تسلمها.. الطرف الآخر أقصى المعارضة.. الطرف الآخر استخدم خطاب كراهية.. الطرف الآخر مارس التحريض.
كان لدي كل الحجج النفسية والذهنية لتقبل مذبحة وراء مذبحة.. مر أكثر من عام على مشاركتي في ثورة 30 يونيو, التي أوصلت الفريق / المشير عبد الفتاح السيسي لرأس السلطة بلا برنامج ولا تصور.. مجرد بديل عن حكم الإخوان يثبت أركان الدولة بصورتها القديمة ووجوهها القديمة وآثامها القديمة.
لم يعد لدي شك أن سلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي مهمتها بالأساس، هي التخلص من كل آثر لثورة يناير.. شباب يناير في السجون حتى الذين شاركوا في إقصاء الإخوان، ومن لا يصدق عليه أن يراجع مواقف علاء عبد الفتاح وأحمد دومة.
الآن.. لم اعد استطيع غض الطرف عن كل هذا الدم المسال.. أحكام إعدام جماعية.. أحكام مصداقيتها وصلت للمنحدر, فحين يحكم القاضي بالإعدام على شخص ميت، وآخر أسير في سجون إسرائيل منذ 19 عاما، فمن حقنا أن نتساءل عن معنى العدالة في هذا البلد, وكيف يمكن أن نستريح لإعدام ستة من شباب عرب شركس اليوم, وكيف نثق في الأحكام التي تصدر، فيسال على أثرها بحر دم؟!
الخلاصة.. إذا كان كل ما جنينياه من 30 يونيو هو بحر من الدم لا يريد أن يرتوي, فأنا نادمة على المشاركة بها, اقتل من تقتل أيها المشير، لكن ليس باسمي.