حنان كمال تكتب: أين يذهب الموتى؟

صرت  افكر كثيرا في موتي, وأنا صغيرة كنت اتخيل أنني سأعيش طويلا جدا, تصورت أنني سأكون عجوزا متعجرفة, شعر أبيض مهّوش, سأكون فرغت من أشياء كثيرة جدا في الحياة, وسأتفرغ لمشاغبة الكون.

بعد تجربتي مع المرض, لا استطيع أن افكر غير في أنني سأرحل سريعا جدا, افكر كثيرا في الفسحة الممنوحة لي من الزمن, وفيما سأنفقها، وكيف سأحسن استخدامها؟ امنحها كلها عن طيب خاطر لأولادي؟!

لم اعد اخاف الموت, اتخيله خفيفا وظريفا, يحرر الروح من ثقل الجسد, سأطفو فوق هذا الكون خفيفة للغاية, سأقف كالملائكة فوق البنايات العالية، اشاهدكم من بعيد, أو ربما سأهب روحي لعصفور يطوف الكون بجناحيه الصغيرين.. ستكون لدي القدرة أن اتسرب كشبح إلى الأماكن البعيدة والسرية, ربما سأفضل أن اقضي أوقاتا أطول في الأماكن الخضراء, بجانب البحيرات الواسعة الهادئة, سأصعد القمم العالية للجبال بلا جهد, وسأقف في أعلى نقطة من العالم المس السماء الزرقاء بيدي, وربما قطفت قطعة من السحاب الأبيض وواصلت اللهو بها.

الموت جميل أحيانا، لأنه يمنحنا ما عجزت أن تمنحنا إياه الحياة, من تلك البهجات البريئة المجانية.. لن نحتاج لبذل جهد حتى نحصل على الملذات الطفولية الجميلة، أو ما هو أبعد, لربما أمكننا الاختباء داخل بتلات زهرة, أو ربما تماهينا تماما مع موجات نهر تتلألأ تحت شمس الظهيرة.

ربما ما يزعجني في الموت، هو انعدام القدرة على الفعل, كنت متيمة بمفهوم الإرادة والفعل وأنا شابة صغيرة, وقد منحني هذا مخزونا ساعدني على الصمود في وجه عواصف عاتية.

الآن لم اعد مهووسة بالإرادة ولا الفعالية, اكسبني الزمن نضجا، ومعه عرفت أن الله يفعل كل شئ, وأننا لو خلعنا إرادتنا لصالح إرادته، ستسير الأمور أفضل كثيرا مما نتصور، وأفضل مما تخلقه إراداتنا, بالأصل لا توجد إرادة غير إرادته.

حين افكر في الموت، افكر في أنني اكتسبت شجاعة كبيرة لاتقبله، وربما لاحبه بذات القدر الذي احب به الحياة, تعني الحياة هذا الوهج الذي يحرق أطراف أصابعنا كلما لامسناه, بينما يعني الموت ذلك السلام الذي تتوق له أرواحنا بعد هذه الرحلة. لم اعد اخاف الموت كما كنت أخافه وأنا صغيرة.. في الحقيقة صارت نفسي تتوق أكثر لذلك السلام البعيد.

ملحوظة: احب اقولكم الجملة الأثيرة اللي باقولها لحمزة ابني لما بيقولي إنه خايف إني اموت: أنا مش هاموت وقاعدة على قلبكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top