انهيت للتو خبز إحدى عشر رغيفا بالتمام والكمال، وما يزال مطبخي ساخنا وتفوح منه رائحة الخميرة، ابنتي الكبرى تساعدني، اتذكر ليالي مشابهة، كنت اسهر لاراقب أمي وهي تخبز الفطائر، يقول لي صديقي أنني كنت خبازة في حياة سابقة، فاشعر أن لو كان الأمر صحيحا، فلابد وأن هذه أمارة محبة.
الخبز بركة
أفلا اكون عبدا شكورا، كلما هممت بالدعاء، كلما تبادرت لذهني هذه الآية، اتأمل في نعم الله الكثيرة، استشعر محبته حتى في الابتلاءات الكثيرة، انظر لوجهي في المرآة، احب سمرتي البريئة، احب روحي، وهذه من نعم الله علي.. نفخ في من روحه، فاحببته واحببتني، وامتلأ عامي بالمحبة.
استمع لموسيقى قلبي، كلما نضبت الموسيقى من قلبي، اشعر أن ثمة خطرا يتهدد كياني الإنساني، اتعجب ممن يحرمون الموسيقى، ويربطون هذا التحريم بالله.
الله الذي منحنا كل هذا الجمال، كيف تكون رسالته أن نغض ابصارنا، ونسد آذاننا عن الجمال المحيط في هذا الكون؟!
حينما يقترب الفجر، افتح نافذتي واتأمل السماء لارسل دعواتي لله، ادعوه
بقدرته وبرحمته، فينطق لساني وهو يناجيه: \”يا بديع\”.
كنت اتعجب من الجملة التي يقذفها الله في رحي، على لساني، لكنني مع الوقت، بدأت افهم أن خالق هذا الجمال جميل، ولأنه جميل لن يترك روحي في قبح الحاجة لرحمته.
تأمل جماله، تحرر روحك من القبح المحيط.
في ليلة العيد تهاتف الفتاة الأندونيسية أسرتها وتبكي، تبكي من الغربة في
البلاد البعيدة ومن فقد الأهل، تستغرب صديقة من الحزن الذي يداهمنا فجأة في الأعياد، لو أن كل منا جعل من روحه ظلا للغرباء ما شعرنا بالوحدة، لا نحن ولا الغرباء، لكننا نخاف من الآخرين، نخاف على أشيائنا القليلة من العيون الحاسدة، ونحمي خصوصياتنا داخل كانتونات تمنحنا أمانا مزيفا، بينما هي ملسئة بالتعاسة، لو أن منحنا بعضا من أرواحنا للغرباء لازدهرت أرواحنا بالمحبة، ولازدهر العالم بالفرح.
فكرت كثيرا في فضيلة الزهد، كانت تبدو لي متناقضة مع أمنياتنا الدائمة
برغد العيش، ادعو بطيب العيش في الدنيا والآخرة، لكنني صرت أكثر فهما للسعادة التي تخلقها الأشياء الصغيرة والرضا بالقليل، تبدو لي ارغفتي الصغيرة، خبز يدي في هذه الليلة من أعظم ما رزقه الله لي، افرح أكثر، برزق الأرض لا بالمال المدخر، وتبدو رائحة الخبز المتصاعد من مطبخي هي عنوان السعادة.. أفلا اكون عبدا شكورا؟ّ