ولأننا دخلنا \”فيلم العصر الحديث\” بعد بداية العرض، لم نفهم كثير مما يقال.
على الشاشة نشاهد أحداثا، ونسمع حوارات بدون تراكم، فلا ندرك مغزى ما نرى. لكننا نحاول – وهي طبيعة انسانية – أن نبني تصورنا الخاص عن الأحداث.
نتكلم عن عنصرية توجه ناحيتنا، كعرب، ومسلمين، وننتقد اهتمام الغرب – وبالتبعية العالم – باضطهاد اليهود والهولوكوست.. نقول إن نقد الهولوكوست ممنوع في الغرب، لكن انتقاد المسلمين عنصرية يمارسها العالم على سبيل التريض!
خاض العالم صراعات طويلة ضد تصنيف المجموعات البشرية، بالانتماء العرقي، أو النوع، أو الثقافة.. تصنيفات أدت لاضطهاد مجموعات بشرية كاملة واستنزفت العالم. أين كنا حينها؟ كنا ننعم بذات الاكتفاء على الذات. قانعون بأننا الأفضل لكن الأوغاد لا يعرفون ولا يعترفون.
في وقت ما، اكتشف العالم كم خسر بتصنيفه للنساء أنهن أقل من الرجال لمجرد أنهن نساء.. كانت تلك عنصرية مشهورة في كل الكوكب. أدت لتأخر المجتمعات الانسانية. ثم بنضال مجموعات نسائية ورجال آمنوا بحق المرأة والمساواة، ظهرت أفكار تجرم هذه التفرقة القائمة على أساس النوع.
ولاعتقاد هتلر ومن صدقه من النازيين أن اليهود – لمجرد أنهم يهود – هم داء بشري يجب القضاء عليه، نزفت أوروبا دماء غالية، وشهدت واحدة من أبشع المذابح في التاريخ الحديث. هذه المذابح التي شكلت عقدة انسانية، تجعل الحديث عن الهولوكوست محاطا بتوتر وقلق.
لأننا لم نخض تلك المعارك، فكريا وحربيا، لا نجد غضاضة في ممارسة العنصرية كما نتنفس.
اللطيف أننا في بلاد ينفي فيها وجود العنصرية من يتهمون بممارستها، لا من يعانون منها.
كرجل أسود يمشي في شوارع القاهرة اتلقى مزحات عنصرية كثيرة. وكعربي في السودان أشاهد أبناء عرقي يتلفظون بالعنصرية تجاه من هم أشد منا سوادا أو ينتمون لمجموعات عرقية أخرى.
مع تأكيد دائم أننا لسنا عنصريين! لم أقابل العنصري الذي يعترف بذلك. وهناك دوما مئات المتطوعين لإنكار وجود هذه العنصرية.
مشكلة عنصريتنا الأكبر أننا ننكرها.. المجتمعات التي حاربت العنصرية بدأت حربها بالاعتراف بذلك.
حتى في الولايات المتحدة حين ظهرت موجة عنصرية قوية تجاه المسلمين عقب أحداث 11 سبتمبر، لم تنحسر إلا حين وقف أحرار يقولون \”الشك في جميع معتنقي الإسلام إنهم إرهابيون، عنصرية مقيتة\”.
في فرنسا عقب أحداث شارلي إيبدو، ظهر وزير الداخلية ليؤكد ان الدولة لن تسمح بأي اظهاد لمواطن فرنسي نتيجة لدينه.. في اشارة لأحداث عنف استهدفت مساجد إسلامية.
الغرب ليس جنة، وليس كل مواطن غربي حقوقي متسامح مؤمن بحقوق الإنسان، لكن هناك مساحة للمواجهة لا تصادر المجال الجمعي لصالح أفكار بعينها تجمل الواقع.
عندنا من غير المسموح أن نظن أننا عنصريين، أو نكره الآخر.. نحن دوماً الأجمل والأروع.. نحن لسنا بشرا يجري عليهم ما يجري على غيرهم.. نحن خير الأمم، وأكثرها محبة وتسامحا.
حتى تأتي اللحظة التي نقبل فيها الكلام عن عيوبنا.. ستظل الحلقات الأضعف في مجتمعاتنا.. السود.. المسيحيون.. النساء، يعانون من أشد وأقبح أنواع العنصرية، تحت غطاء المزاح أو التجارب.
ستجد من يزدري مجموعة عرقية كاملة بكل أريحية متحججا بخبرته في التعامل مع أفراد منها، أو صورة ذهنية ما.
في يوم ما سندرك – وبثمن فادح – أن العالم لم يقاوم العنصرية لمجرد أنه عالم متحضر لطيف، ولكن لأنه اكتشف الثمن الفادح الذي يدفعه بوجودها.
لم نتعلم ذلك من العالم، لكننا سنتعلمه بما سيحدث، فكما خسرت دولة السودان ثلث مساحتها نتيجة للعنصرية، سيواجه بقية العالم العربي عنصريته تجاه مجموعاته السكانية المختلفة. ما لم تحدث المعجزة.
*روائي سوداني