حمّور زيادة يكتب: بلّغ إلى ناجي السلام

أذكر أول مرة عرفت فيها عبد الرحمن الأبنودي وشعره. كانت زيارة له للخرطوم، وألقى قصيدته في رثاء ناجي العلي، \”الموت على الأسفلت\”.
صوته مازال يرن في أذني، لأول مرة أراه، ولأول مرة أعرفه، واسمه أسفل شاشة التلفزيون يعرّف به.

أمايه.. وانتى بترحى بالرحى..
على مفارق ضحى..
ـ وحدك ـ وبتعددى
على كل حاجه حلوه مفقوده
ماتنسيش ياامه في عدوده
عدوده من أقدم خيوط سودا في توب الحزن
لاتولولى فيها ولا تهللى..
وحطى فيها اسم واحد مات
كان صاحبى يا امه..
واسمه
ناجى العلي

أنا كنت مفتوناً بناجي العلي. ليلة اذاع التلفزيون خبر موته في نشرة المساء بكيت في سريري حتى الصباح. قتلوا ناجي فكيف أنام؟
أذكر أبي قبلها بشهر وقد عاد من مكتبه ظهراً. على الغداء أخبرنا \”أنهم\” أطلقوا الرصاص على ناجي العلي. لم أستطع بلع اللقمة.

ظللت أنتظره أن يقوم بالسلامة. لكن ناجي خذلني، ومات.

وأنا طفل كنت احلم بسيناريوهات انتقامي لناجي وروحه، وكنت افكر في الظلام كيف يقضي ناجي لياليه في قبر ضيق تحت الأرض. بماذا يفكر؟ بماذا يحلم؟ هل مازال يرسم؟

كنت أتخيل قبره كقبر جدي. عليه بناء أسمنتي، تتوسطه قطع من الحصى المثبته به. أما شاهد القبر فعليه نحتاً لحنظلة.

كنت في الابتدائية، وكنت أصر كل اسبوع أن أقدم للاستاذة المسئولة عن جمع مواد صحيفة الحائط الخاصة بفصلنا كاركتير لناجي العلي. وكانت المعلمة تصر كل اسبوع على رفضه.

دخل عليّ الأبنودي من باب حب ناجي العلي.
قصيدته كان التلفزيون السوداني يذيعها كثيرا جدا.. حفظت منها مقاطع.
يا قبر ناجى العلى .. يادى الضريح
كان ميتك ..للأسف .. وطنى صريح
تحتك فتى ناضر القلب ..غض
كان قلبه .. أرض مخيمات الصفيح

لذلك ارتبط الأبنودي في ذهني دائماً بالموقف السياسي أكثر من القيمة الفنية.. المواقف السياسية المتمردة، التي يمثلها ناجي العلي، صاحب الريشة السليطة.

تعرفت على القيمة الفنية للأبنودي بعد ذلك بسنوات. لكنه ظل عندي ذلك الرفيق الذي نعى من أحب.
لو أن هناك زمالة في محبة ناجي العلي، فقد كنت أعتبر الأبنودي زميلا لي.
ربما لهذا كرهت مواقفه السياسية التي اعتبرتها مؤخرا لا تمثل ناجي العلي.. أحسست أنه خان حبيبنا.

عدى النهار، وذهب الأبنودي.
رحل إلى حيث ناجي العلي.. يا خال، لو بلّغت عني ناجي السلام، فأنا قد سامحتك.
رحمك الله، وقاتل السياسة.

غشيم فى حب الوطن .. طبعا غشيم
ياللى تحب الوطن .. من الصميم
على طريقة العرب في الحب .. عيش
ولىِ .. نقى .. متقى .. لكن لئيم

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top