حمودة إسماعيلي يكتب: إرادة المرأة.. لماذا تشعر الأنثى أنها مشتتة في المجتمع الخانق؟

إن لم تكن كل أنثى في واقعنا الراهن تعايش تضاربا فكريا وشعوريا يجعلها مشتتة، فهناك العديد منهن، ولا يمكن أن ننفي أن العديد من النساء يعشن في حيرة مستمرة؛ فحتى إن لم يكن الأمر يتعلق جميعهن، فالاستثناء يتعلق فقط بفترات متأرجحة ومتقطعة (وليس جميعهن بنفس الوقت)، ما يعني أن كل امرأة كل أنثى عانت من فترة اضطراب في حياتها، قصرت أو طالت هذه الفترة، تكررت أم لم تتكرر. ولا يتعلق الأمر بفسيولوجيتهن أو التغيرات الشهرية المستمرة وارتباطها/تأثيرها بتغير المزاج، كما يذهب في ذلك الطب الذكوري المعطوب ومجلات التخاريف النفسية حول المرأة؛ بل يرجع بالأساس لاضطراب المجتمع، ومعاملة هذا المجتمع ونظرته -التاريخية والمتوارثة والمتداولة والمستهلَكة ـ للمرأة. حيث يطلب منها المجتمع أن تكون كل شيء، وبنفس الوقت لا شيء ! أن تفعل كل شيء، ومع ذلك فكل ما تفعله -مهما كان حجمه- ليس بشيء! لا شيء يتغير سواء نجحت -بمعايير المجتمع- في حياتها أو فشلت، لكن يسقط كل شيء إن أخطأت -بمعايير المجتمع- أو تمردت.
أخبرتني ليلى، بما يجول بداخلها، وفي نفس الوقت بما يجول بدواخل العديد من الإناث، لربما لم تسعهم الفرصة أو الظرف لقول ما لا يجب أن يقال. اسمها ليلى، لأن كل أنثى ليلى، وبكل أنثى ليلى: الفاتنة، المتمردة، المستقلة، التي لا تقف أنوثتها وجنسها عائقا أمام إرادتها. ليلى شاركتني بقصتها وموقفها ورؤيتها، لكنها قرعت الباب على قلب كل أنثى بل على كل شخص، بأنها تشاركه شيئا ما، هو إرادتها.

ـ حديث ليلى كما جاء بالحرف:

 

مرحبا سيد حمودة، أتمنى منك مساعدتي. أريد أن آخذ رأيك في موضوع يشغل بالي. أنا فتاة لادينية من المغرب، عائلتي جد محافظة وطبعا لا يعلمون شيئا عن تغيير معتقدي.
أعاني في بعض الأحيان من تشددهم معي، لكنهم ليسوا سيئين.. منذ أن كنت طفلة وأمي تخبرني بأن الزواج ليس هدف الحياة وبأني يجب أن أدرس جيدا وأعمل فيما بعد لكي أصبح مسؤولة عن نفسي ولا أحتاج لرجل يعيلني.. هذا بالضبط ما حصل لحسن الحظ.

أحيانا أفكر في الزواج لكن ليس بتلك الطريقة التقليدية، أفكر فيه وأعتقد أنني لن أتزوج لأن غالبية المغاربة منافقون، يحبون الفتاة البريئة الشريفة العفيفة -وبحسب معيارهم أنا لا أزال شريفة- والبعض الآخر يدعو لتحرر المرأة و حقها في أن تعيش مساوية للرجل، لكنه لا يدعو لهذه الأفكار عن قناعة كاملة -لا أدري كيف أفسر ذلك- بل فقط ليلبي رغباته الجنسية بدون مشاكل وبكل أريحية، أما حين يتعلق الأمر بالمشاعر الجادة الصادقة، فتجد أغلبهم لا يمتلكها، بل تتغلب عليه ذكوريته وعقليته وتربيته الأولى، وكأنه شخصان: واحد يعبر عن أفكار معينة، وآخر يتصرف بطريقة مغايرة لها.
حين أتعرف على شخص ما، أجده إما مسلما \”معتدلا\” يحمل أفكار ظلامية عن المرأة من قبيل التبعية للرجل ووجوب طاعته في كل شيء حتى اختيار ملابسها وبأن دورها الرئيسي هو رعاية زوجها وأبنائها، وإما شخصا يرفع رايات التحرر لكنه في الحقيقة ليس سوى ممثل.. يفعل أشياء لا يقبل أن يفعلها شخص آخر مع أخته: إزدواجية خطيرة.
سؤالي هو: كيف أستطيع تجاوز هذه الأفكار؟ ماذا أفعل حتى أتعايش مع الوضع وأستمر قوية كعادتي؟

– ردي كما جاء بالحرف:

جميل ما كتبته فهو الواقع الصريح، بل قمت بتشريحه كذلك. بالنسبة للعائلات أو الأسر فكل ما يهمها هو السمعة الاجتماعية \”يكونوا بحال الناس المزيانين، وما يشفيوش فيهم العديان\” ولو على حساب الذات والرغبات! أما بالنسبة للرجال فهناك كما ذكرت نوعان: نوع يصدم بأزمات ومشاكل عاطفية فيتجه للدين لأنه يحقق ملجأ له من مواجهة المرأة بشخصيته، فالدين يقلل من وزن المرأة أمام الرجل الذي يمثل سلطة أمامها كأنه إله صغير، وهذا ما يوفر لهذه النوعية تعويضا طالما أنه من جانب ديني (كممثل ومتحدث باسم الدين والفضيلة) ليس للمرأة أمامه إلا أنه تطيع (لأنه في العمق يخاف نسبيا منها)!
النوع الثاني، يسعى للظهور بمظهر المتحرر أو Open Minded، لماذا؟ لاستقطاب النوعية المتحررة من النساء طالما أنهن أكثر جمالا (مظهريا لاستغنائهن عن الأردية الدينية = مكشوفات بصريح العبارة) ولا يرتحن سوى مع من يشابههن التوجهات الفكرية \”يعني إل بان متدين ما يغتمزكوش ليه\” -أي نفورهن من أي ممثل لهذا التوجه- فالتحرر الفكري هنا ليس عن قناعة، بل شكل سطحي \”باشي يبغي\’وه هاد التيتيز\” (للفت انتباههن وإعجابهن)، فهو في العمق لا يختلف عن البقية المؤدلجة! وطبعا الطبع الغالب هو طبع المجتمع أو التقاليد.
ليلى بالنسبة للموقف هنا، فالحل هو: أي شيء يحققه لنا الآخرون (رغم الاختلافات الفكرية)؟ هناك نوع يحقق لنا المتعة والإفادة، ونوع آخر \”غير صداع الراس\” (مجرد إزعاج)، الأفضل للإنسان أن يزيد روابطه من النوع الأول (المتعة والإفادة) على حساب النوع الثاني (صداع الرأس)، حتى يظهر النوع المرغوب والمتطلب وهو غالبا الذي يضم أكبر قدر من المواصفات التي نرجوها فيمن نرغب.
ليلى.. كل شخص يتوق لتحقيق التوازن النفسي والبيولوجي، والخوف ينتج عن توقع الاستغلال أو عدم الفهم من الجانب الآخر. تستحقين أن تعيشي كما تريدين فهذا رهانك، وأتمنى لك ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top