حسين هاشم يكتب: لقد كَبرنا يا أمي

الحياة لم تُصبح تعيسة، بل نحن أصبحنا نراها بالألوان!

لقد كبرنا يا أمي ولم نعد نعيش في هذا العالم الوردي الهادىء الذي نشأنا فيه، أصبحنا نخوض معارك كل دقيقة لكي نستمر في هذه الحياة البائسة دون أي خطة للغد.. فقط نستمر لأنه قدرنا المحتوم أن ننتظر النهاية لا نصنع نهايتنا.

لقد كبرنا يا أمي وتساقط الشعر وتغيرت الملامح وأصبح التجهم هو المحفور على وجوهنا وأرواحنا، ننظر إلى أنفسنا في المرآة لنجد شخصا آخر غير الذي تعودنا أن نراه في صغرنا، لقد أصبحنا جزءا من العالم الذي كُنتِ تبعديه عنا.

لقد كبرنا يا أمي، وكبرت آلامنا واحباطنا، فلم يعد الألم يزول بعد حضن منكِ أو عندما نغمض أعيننا ونخلد إلى النوم ونستيقظ أصحاء، أصبح الألم يلازمنا دون أن نجد السبيل إلى الراحة كما السابق، أصبح الاحباط الهواء الذي نتنفسه طوال اليوم ونظهر أننا لا نهتم وأننا مبتسمون.

لقد كبرنا يا أمي، وأصبحنا نُغلق على أنفسنا ونخلق عالما صغيرا ساذجا نختبىء فيه من فظاعة ما حولنا، ونجلس لنتذكر ما كنا فيه منذ سنوات قليلة على سبيل الحنين إلى الماضي و\”النوستالجيا\” إلى سنوات لا يميزها أي شىء سوى أنها كانت من الماضي، فنتذكر لحظات سعادتنا ونتناسى لحظاتها القاسية.

لقد كبرنا يا أماه وصرنا نهرب من المواجهة والقرارات عالمين بأننا دومًا الطرف الأضعف وأننا في الطرف الخاسر مهما فعلنا.

لقد كبرنا يا أمي، وأصبحنا نشعر بالوحدة أكثر من شعورنا بالحياة، ورضينا بكل هذه الخسائر، حتى لم يعد لدينا ما نخسره، وما نعيش لأجله.

لقد كبرنا يا أمي، وكبر هذا الطفل المذعور، وأصبح شابا مذعورا يعيش يوما بيومه، ليس لديه خططًا للغد، وللعام القادم، يتمنى أن يمضي حياته في سلام حتى النهاية، دون أن يذوق من أوجاع الحياة البائسة التي يعيشها.. طفل مذعور يخاف من أن يُنجب طفلا مذعورا، يعيش في نفس المأساة.

لقد كبرنا يا أمي، دون أن ندري كيف نعيش في هذه الحياة، كيف نتعامل مع قدرنا، كبرنا دون أن يعطينا أحدهم نصائح وإرشادات.. كبرنا في الحياة دون أن نعرف ما هي.

لقد كبرنا يا أمي، واستمرينا وكفاحنا ومازالنا نُكمل رغم كل هذا البؤس والتراجيديا، نُكمل ونحن نعيش في عالمنا الصغير بعيدا عن العالم الحقيقي مستمتعين بكل ما خلقناه فيه، حى لا نُجن وحتى لا نيأس أكثر من اللازم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top