حسين خليلي يكتب: نعتذر للداخلية عن نحافتنا

واخيرا ظهر الحق، وتم تفنيد كل الادعاءات الباطلة والاتهامات الجوفاء التي ترددت حول مقتل شيماء الصباغ، وذلك بتقرير مهني حيادي صدر عن الطب الشرعي، الذي عرف عنه احترام عقولنا والعمل من أجل الحق دون أي اعتبارات اخرى ودون الرضوخ لأي ضغوط، فالمهنية هي الأساس ولا يوجد مكان للرضوخ لأي نوع من الضغوط على حساب الحقيقة. خرج التقرير بنتيجة مفادها أن الخرطوش لم يكن القاتل وإنما شيماء كانت \”نحيفة أكثر من اللزوم\”.

من الآن فصاعدا، سيكون على الأباء والأمهات أن يقوموا بفحوصات دائمة لمستوى نحافة وبدانة أطفالهم، فمن المهم أن يكون هناك كميات مناسبة من اللحم والشحم تتلاءم مع الخرطوش.. يجب علينا أن نكون واعيين للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وعدم قدرة الداخلية على استثمار مبالغ هائلة لتحديث ترسانتها من الخرطوش غير القاتل أو إعادة تقييم فعاليته في التعامل مع المظاهرات.

من الممكن القيام بتحديد الوزن المناسب للاشتراك بمظاهرة سلمية ويجب أن يكون هناك ميزانا مخصصا لوزن المشاركين في المظاهرة قبل انطلاقها، ومن يقل وزنه عن الوزن المصرح به، والذي يسمح بإطلاق الخرطوش يتم استبعاده.

يجب أن نكون موضوعيين ومتعاونين هنا، فمن غير الممكن أن نلقي اللوم على الداخلية في قتل شيماء، فمن يجب أن يلام هنا هي شيماء ووالديها وزوجها وأصدقائها الذي لم يقوموا بواجبهم برفع وزن شيماء قبل المشاركة في المظاهرة، قد يقع بعض اللوم على الداخلية لأنها لم توفر الموازين لوزن المشاركين قبل المظاهرة، لكن ذلك خطأ هامشيا، ولا يجب أن يتم وضع كل اللوم عليهم بسبب هذا الخطأ التافه، فقد قاموا بواجبهم وأطلقوا الخرطوش \”غير القاتل\” على المتظاهرين قليلي الأدب الذين أخلوا بوقاحة منقطعة النظير بالسلام والامن وحالة الاستقرار والازدهار التي تنعم بها البلاد.

تقرير الطبيب الشرعي النزيه وغير المسيس والحيادي، أنهى الجدال الذي احتد بعد وفاة شيماء، فلتخرس كل الألسنة التي اتهمت الداخلية بقتلها، فهي لم تمت بسبب الخرطوش – والعياذ بالله – بل بسبب نحافتها وإهمال عائلتها.

هذا التقرير العظيم يلقي الضوء على الكثير من الظلم الذي لحق بالداخلية خلال السنوات الأربع الماضية، فمن قتل بالخرطوش – الذي اثبت جهابذة الطب الشرعي براءته من الجريمة الملفقة- في جمعة الغضب ومجلس الوزراء ومحمد محمود، لم يموتوا بسبب الخرطوش، بل بسبب نحافتهم، ومن فقدوا أعينهم خلال السنوات الأربع الماضية، لم يكن ذلك بسبب الخرطوش البريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بل بسبب إهمالهم وعدم ارتدائهم نظارات حديدية على عيونهم.

يجب أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية ونقوم بتقديم اعتذار واضح وصريح للداخلية،

فنحن من لوث الشوارع بدمائنا، ونحن من أنهك سواعد رجال الشرطة، ونحن ننطح هراواتهم برؤوسنا، أو عندما أجبرناهم أن يدوسوا على جباهنا لأننا قليلو الرباية ونضع جباهنا على الأسفلت لكي نعيق ازدهار البلاد.

يجب أن نقدم الاعتذار على الوقوف بوجه الرصاص \”الذي أطلق لحمايتنا\”.

نعتذر عن الألم الذي سببناه لضباط الداخلية عندما قمنا بتعذيب أنفسنا حتى الموت في مراكز الشرطة.. تخيلوا حجم الصدمة النفسية التي سببناها لهم ونحن نموت أمام أعينهم، أو عندما نحرق أنفسنا أحياءا في عربات الترحيل.

نعتذر لكم بسبب قلة ربايتنا وتبلد مشاعرنا واتهامنا لكم.. نعتذر عن الألم الذي سببناه لكم بسبب اتهاماتنا الوقحة كل هذه السنين.

ونتقدم بالشكر للطب الشرعي الذي فتح أعيننا على حجم ظلمنا للداخلية وللأمن وللرصاص وللحاكم السابق والحاكم الحالي، وكل من داس على رقابنا.

نعتذر لكم وشكرا لكم.

ونعدكم أن نموت في صمت في المرات القادمة، ونعدكم أن لا تسمعوا صوت ارتطام أجسادنا بالأسفلت، وأن نمسح دماءنا من الشوارع دون أن ننبس ببنت شفة، فأنتم ضحايانا.. ضحايا أكاذيبنا حول انعدام الحرية وحول وحشية الأمن، ولهذا

نعتذر لكم وشكرا لكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top