يأتي ذكر كوريا الشمالية كثيرا في حوارات كثير من المصريين تعليقا على الإعلاميين المروجين للرؤى الفاشية وخطاب الرئيس السيسي الأخير الذي طلب فيه من المصريين أن يسمعوا منه فقط، وممن لا يشاركه رؤيته في العمل أن يسكت.
فما هي بالفعل ملامح السياسة والحياة اليومية في ذلك البلد الغامض الذي يقبع خلف ستار حديدى ويعيش سكانه فيما يشابه حالة فيلم \”ترومان شو\” الذي يصور أحد برامج دراما الواقع يولد ويكبر فيه طفل محاطا بديكورات وتفاصيل عالم مزيف بالكامل.
شهدت برلين يوم الجمعة العرض العام الأول لفيلم \”تحت أشعة الشمس\” الذي يسجل تفاصيل الحياة اليومية في كوريا الشمالية المغلقة أمام العالم بقدر ما سمح لفريق عمله –أو بالأحرى ما تمكن من تهريبه- التي لا يعرف سكانها حتى الآن عالم الإنترنت الافتراضي رغم أنهم يعيشون بالفعل في عالم افتراضي، ولكن بطريقة أخرى.
في ندوة أعقبت عرض الفيلم قال مخرجه فيتالي مانسكي الذي ولد في أوكرانيا السوفيتية عام 1963 إنه تمكن عن طريق تقنية لم يفصح عنها من الاحتفاظ بنسخة مما صوره دون علم شركائه الكوريين الذين أقاموا معه في نفس الفندق لشهور وكانوا يتسلمون كل ما صوره ويقومون بحذف ما لا يرضون عنه.
تمكن المخرج من الاحتفاظ بمشاهد الإعداد للقطات الفيلم التي كانت تتم حسبا لسيناريو كان للكوريين اليد العليا فيما يجب أن يتناوله، وبمشاهد صورها خلسة من نوافذ غرف فريق عمله في الفندق الذي أقاموا فيه.
وأبدى المخرج قلقه على مصير الكوريين الذين عملوا معه، واحتمال تعرضهم للأذى وربما الإعدام بعد أن تمكن من خداعهم والاحتفاظ بما صوره، متعرضا أيضا لانتقادات وزير الثقافة الروسي السابق ميخائيل شفيدكوي الذي ساعده في الوصول إلى كوريا.
يبدو من الفيلم أن الكوريين كانوا يرغبون في صنع فيلم دعائي محكم على يد مخرج متميز ينتمي إلى روسيا الصديقة، وقام بتصوير رئيسها بوتين نفسه في أفلام تسجيلية.
حاول الكوريون صنع صورة لعائلة مثالية يملي عليها المسؤولون كيف يجب أن تتحدث وتجلس وتبتسم، وجعلت من الأب الذي يعمل أصلا صحفيا مديرا لمصنع للملابس، وابنته \”تسن مي\” الطفلة في عامها الثامن عضوة بمنظمة الطلائع.
رغب الكوريون في تصوير الاحتفالات الشعبية بذكرى ميلاد كيم يونج إيل أو عيد النجمة الساطعة، وبعد ذلك عيد ميلاد ابنه الحاكم الحالي كيم يونج أون، أو عيد الشمس، وتماثيلهم العملاقة في العاصمة بيونج يانج، وكذلك الطبقة العاملة في المصانع والأطفال في مدرسة حديثة مختارة بعناية، لكن ماكينة البروباجاندا حسب ما يرى مانسكي \”تقدم دائما الدليل على أكاذيبها\”، حيث تبين المشاهد التي تمكن من تهريبها كيف كانت تصمم كل هذه المشاهد المزيفة على خلاف الواقع.
يطلب المسؤولون باستمرار ممن يصورهم الفيلم الابتسام رغم علامات البؤس الواضحة عليهم وتململهم من خطاب عبادة الفرد المتواصل، ويصور خلسة بعيدا عن المشاهد المعدة سلفا صفوفا طويلة أمام المتاجر ومشهدا يدفع فيه الركاب دون أمل بـ\”تروللي باص\” متعطل، وبمباني سكنية يبدو عليها الفقر وأنها لم تجدد منذ سنين طويلة.
يقول المخرج \”كنت أريد تقديم فيلم عن كوريا الحقيقية، لكن ليس هناك حياة حقيقية بالمعنى الذي نعرفه\”.. يضيف المخرج أنه رأى بشرا دون مشاعر أو ردود فعل، لم يتبادل معه أحد من الكوريين الذين عملوا معه أي حوار، أو يوجه سؤالا شخصيا، أو يسأله حتى كيف حالك، بشر يرى أنهم لا يحتجون ويقبلون تماما ما هم عليه.
يحكي مانسكي أنهم سحبوا جواز سفره في المطار، وبدونه لا يسمح له الخروج من الفندق ولا حتى الخروج من أي عربة يستقلها إلا بصحبة مرافقين كوريين.
سألت المخرج ما هي المسافة بين الاتحاد السوفيتي وهذا النموذج الكوري من الستالينية، فرد قائلا إنه نظام تجاوز حتى الستالينية التي شهدت أصواتا مثل باسترناك وآنا أخماتوفا، وفنا مختلفا رغم تعرضه للقمع، لكن كوريا لا تسمح أصلا بأي شئ خارج النظام ..\”صحراء جرداء\”.
ويضيف \”لم يتمتع الناس في الاتحاد السوفيتي بالحرية، لكنهم كانوا على الأقل يفكرون بحرية داخل عقولهم، أما في كوريا فلا يوجد حتى هذا النوع من الحرية.. إنهم لا يتخيلون أي نوع مختلف من الحياة\”.
وأخرج فيتالي مانسكي نحو 30 فيلما، كان أولها عام 1989، عرضت في مهرجانات عديدة، وحصل ببعضها على 50 جائزة مختلفة.
لمشاهدة تريللر فيلم Under the Sun, international trailer.. اضغط هنا