حسن أبو السعود يكتب: أبو إيفانكا.. صلى الله عليه وسلم!

هو دونالد ترامب، العجوز الثري، الجزرة البرتقالية في البيت الأبيض كما يلقبه الشباب الأمريكي الموالي للحزب الديمقراطي، الرجل المتصابي الذي سُرِب له شريط صوتي أثناء الانتخابات الأمريكية يتحدث فيه عن عشقه للفتيات الجميلات، واللاتي لا يتحمل قلبه الضعيف طلتهن، فيجد نفسه لا إراديًا يشدهن من فروجهن!

ربما ينم هذا الشريط عن شخصية ماجنة لا تليق بشخص رمى وراءه طيش الشباب منذ أمد بعيد، ربما ينم عن شخصية محبة للحياة، موقفك الشخصي وتقبلك لهكذا أمور هي ما ستوجه قلبك نحو الرأي الذي ستقوله عن الرجل وتعتقده فيه، الشيء الباقي من هذا الأمر هو لقب \”The Pussy Grabber\” الذي أطلقه عليه قطاع من الشعب الأمريكي تشفيًا، وهو لقب ربما يخجل منه أي رجل حتى الرجل الشرقي الذي يمثل الرجولة والهيمنة الذكورية لدى تصورنا وتصور الآخر، لكن يبدو تمامًا -كما السيسي- للجزرة البرتقالية مؤيديها ومحبيها بغض النظر عن شيطنات الأفعال التي سيقولها الرجل أو يقوم بها فيما سبق من حياته وما سيتقدم. ربما صورة المرأة التي خرجت مدافعة في مظاهرة عنه بقميص أبيض كتبت عليه جملة \”يستطيع ترامب شدي من …\” مع سهم يشير إلى شيئها، وصور الأمريكيات اللاتي كتبن على صدورهن \”اجعل أمريكا بيضاء مرة أخرى\” من أمثل الدلائل على هذا التأييد الجنوني والثابت وغير المشروط للرجل.
وعلى كلٍ، ورغم كرهها الواضح للإسلام والسود واللاتينيين وكل ما هو غير أبيض، ونيتها في الاستئثار ببترول العراق التي أفصحت عنها بكل فجاجة في مقابلاتها مع قناة الفوكس نيوز، التي تليق بها، وتأييدها السياسي والشخصي لإسرائيل واليهود، وعزمها حلب السعودية، أو البقرة الحلوب كما كان يطلق عليها في حملته الانتخابية، حتى آخر قطرة نظير الحماية الأمريكية لها، وإن رفضت فلا جزاء لها إلا الذبح، تفاجئك الجزرة البرتقالية بصراحتها السياسية.

لا يتجمل الرجل إلا لمن هو أقوى منه كـ روسيا، أو ممن دفع له الكثير وطالبه بالقليل من التجمل أمامه شعبه. رغم كل هذا، فازت الجزرة البرتقالية بالانتخابات بأصوات عشرات الملايين من البيض، رغم أنف هيلاري كلينتون ونهجها الذي لا يزيد أو ينقص نقطة عن نهج أوباما، والنسويات المدافعات عن حقوق المرأة والمعادين للإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية والتمييز، ولكن برضا وتأييد القطاع الأكبر من الشعب الأمريكي الأبيض المحافظ، خاصة في الجنوب الأمريكي، الشريحة الأكثر عنصرية، والذي لم يغفر للشعب الأمريكي أنه وضع رجلًا أسود البشرة والأنكى كونه ابن مسلم طيلة 8 سنوات في البيت الأبيض.
كان انتخاب ترامب صرخة لهذا الشعب الأبيض الذي يعتقد بسرقة السود والبنيين والأمريكيين اللاتينيين والأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية لبلده منه، البلد الذي كان سيد مصيره منذ خلقه.
رأى هذا الشعب الأبيض في ترامب الرجل المناسب لاسترداد بلده، رغم أن هيلاري كلينتون بيضاء أكثر من ترامب، ورغم أنها وزوجها الصورة الحقيقية للحلم الأمريكي الذي يعتقد فيه الملايين، حلم الصعود إلى المجد في عالم السياسة أو الفن أو الكتابة أو المال والأعمال من العدم وقاع اللاقاع. ولكن كونها من بقايا إرث الرجل الأسود الذي سرق بلده طيلة هذه السنوات حسم المسألة.
فاز الرجل، ولم ينفذ إلا القليل من وعود حملته الانتخابية، ويواجه الكثير من الأزمات منذ انتخابه رئيسًا. ولا يستطيع أن يهزم الصين اقتصاديًا كما وعد، ولا يقدر على لمس شعرة من صبي كوريا الشمالية الأرعن. في مثل هذه الأحوال، كان لا بد أن يحول نظره إلى الوعد الأيسر تحقيقًا، حلب البقرة المطيعة منذ التأسيس للغرب، تشهد على ذلك مراسلات الملك عبدالعزيز إلى المندوب السامي البريطاني التي أكد له فيها غير ذي مرة أنه لا يخرج عن طوع بريطانيا العظمى إلى أن تصيح الساعة. وبعد أن أصبحت بريطانيا العظمى، بريطانيا وحسب بعد الحرب العالمية الثانية؛ حول عبدالعزيز نظره إلى الولايات المتحدة العظمى بحق هذه المرة. طلب الحماية وأخذها، وطلبوا البترول والنفوذ والتحكم في سوقه وطريقة بيعه وابتياعه والوقوف أمام طموحات روسيا السوفييتة ومعاداة الديك الأحمر صاحب مصر وسياسته القومية، وقد كان لهم كل هذا. تحققت معادلة الفوز هنا طيلة عقود، زيارات ملكية سعودية منتظمة تجدد البيعة، وإشادات متجملة مدفوع ثمنها من الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين كـ ريغان للولاء والصداقة المبنية على المصالح.

وفي الحقيقة، يستحق إخلاص النظام السعودي كل هذا التقدير، فما إن كُلف بشئ إلا وأتمه، من ثورة الديك الأحمر إلى معاداة إيران التي انتفضت على الشاه المطيع للغرب والذي رقص معه الملك الأمير سلمان بن عبدالعزيز لمّا زار السعودية، عندما كان الحبور والسرور والليالي الملاح والطاعة ومذهب أمريكا يّوحد الدولتين اللتين تناصبان بعضهما العداء الآن، واللتين تسببت حربهما بالوكالة في قتل أكثر من نصف مليون سوري، ورمي عشر ملايين منه على الأقل في صحراء وثلج الملاجىء والمخيمات والأوطان البديلة الكارهة له لدينه وللون بشرته، والتي مكّنت وباء الكوليرا من أجساد ثلاثين ألف عربي يمني.


********


جاء الرجل ورأى على الأرض ما وعد به الأمريكيين قبل عشر أشهر من جلوسه في البيت الأبيض. تلقى استقبالًا لا يليق إلا بشخص مثل النبي محمد!

حصل على صفقات توّظف مئات الألوف من الأمريكيين. رقص العرضة، وشاهد الإعلانات التي شغلت الطرق والمباني وشاشات التلفاز، وعب ما شاء الله له أن يعب، وجلبوا له عشرات القادة كي يتكلم عن رؤيته للإسلام، فوق التراب الذي جلس وحورب وقاتل ومات عليه النبي محمد بعد أن بلغ كلمة الله \”اليوم أتممت لكم دينكم\”.

 

*********

 

لجأ العرب إلى التهكم من كل هذا، لأن السخرية كانت دائمًا وأبدًا وسيلة المغلوب على أمره القانع على كُره بما يرى ويسمع. قارنوا استقبال السعودية للرجل، بالكراسي القليلة وزجاجات الماء التي وجدها في إسرائيل. قارنوا العشاء المتواضع الذي أكله في إسرائيل بالباذخ الذي أقيم على شرفه والذي يكفى الكثير من اليمنيين الجائعين، جارتهم وأختهم في الدم، ويكفي الكثير من السوريين، أخوتهم في المذهب. تكلم العرب كثيرًا عن الغوغاء الذين لم تغادر إيفانكا مخيلتهم وقدموا لها عشرات عروض الزواج مقابل أموال جمة، والذين تبرعوا بملايين الدولارات لصندوقها أو مؤسستها أو ثروتها الشخصية، قل ما تقل فالأمور سواء، وكتبوا فيها عشرات القصائد الماجنة التي ربما تليق أكثر بأبي نواس في سورة نزقه، وهو شيء يرسخ من صورة العربي البربري الذي يرى في المرأة شيئها وحسب، \”زنوج الصحراء\” كما يطلق عليهم الرجل الأبيض. تكلموا عن جزية القرن التي أكلها الرجل الأبيض من هؤلاء الذين يتكلمون ليل ونهار عن الشريعة والعزة و\”عندما كنا عظماء\”. تكلموا عن الأمراء الذين وقفوا أمام ميلانيا المهاجرة السلوفينية كعبيد أمام مالكة صك رقهم. وعن الشيوخ الذين باركوا كل ما حدث بكل فخر، مستعيدين في نفس الوقت موقفهم من المرأة السعودية وفتاويهم التي تسأل بجدية \”هل المرأة إنسان أم من الثدييات؟\” والذين برروا حرمان المرأة من حق عبثي كقيادة السيارة حتى لا يوجعها مبيضها! والذين يفتون من باب التجويد وعندما يشعرون بالأرق أو الملل أو انعدام الشهية.


********

 

كل شيء في زيارة ترامب هو درس بليغ للإنسان العربي، كأنها زيارة نبي من الأزمان الغابرة، رأى العربي بعينه التي ستأكلها الدود حفيد بن عبدالوهاب وهو يجلس سعيدًا بجانب الذين يلعنون الإسلام الوهابي ليل نهار، وبجانب ديفيد كوشنر الذي حصل على فتوى من حاخام كي يزور مع زوجته إيفانكا السعودية في يوم سبت، ضاربًا أبلغ الأمثلة عمن يشغله أمر دينه حقًا. لقد رأى بعينه التي ستأكلها الدود الجزرة البرتقالية التي حظرت دخول مواطني سبع دول إسلامية لأنه \”أعتقد أن الإسلام يكرهنا\”. لقد رأى بعينه -التي سيأكلها الدود ويجعلها ترابًا- في أرض العرب رجلًا أعجميًا لا يقول كلمة إلا ويشفعها بالإسلام المتطرف البربري وهو يخطب في جزيرة النبي محمد عن الإسلام، ما هيته، وما هو الشكل الأمثل له، وما هو الشكل الذي لا يجب أن يقترب أحد منه. مع مباركة وتصفيق هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم لنا دائمًا كقادة ورؤساء وعظماء وأصحاب جلال ووقار وسمو وفخامة وريادة وبيادة، وهلم جرًا ودجلًا.


********

على كلٍ، لا ينقل رجال السياسة الصورة الكاملة للزيارات والقمم والاجتماعات المغلقة، وربما علم أبناؤنا أو أحفادنا وليس نحن بما دار في المداولات السرية وحجم الكارثة، نحن ننظر فقط إلى كرامة العرب المتعفنة، إلى المجازر المنصوبة لهم من فلسطين إلى العراق وسوريا واليمن، إلى هوان حياتهم وآثارهم ومقدساتهم وحضارتهم على الأمم. ونضحك كعادة الشرقيين ثم لا نصنع شيئًا، وهل بيد العرب من الأمر شيء؟!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top