A Hologram for the King:
(ماذا يفعل \”توم هانكس\” في السعودية؟).. السؤال الذي يبدأ به هذا المقال، هو سؤال خاطئ ولا يجب أن يتضمنه عرض نقدي لفيلم أو لعمل فني عموما.
لأنه من المفترض في نقد عمل ما أو الحديث عنه بموضوعية أن يبتعد الناقد عن مرجعيته الشخصية وآرائه التي تبنى عليها، وأن يقصر حديثه على عناصر العمل المختلفة وتقييمه ككل.
ولكن بحق السماء مع هذا ما الذي يفعله \” توم هانكس\” في السعودية؟!
فيلم يعتبر بكل المقاييس صغير الانتاج جدا -لم تتعد ميزانيته ثلاثين مليون دولار– وهو انتاج قزم إذا ما أخذنا في الاعتبار أن أجر بطله تعدى العشرين مليون دولار أحيانا في أعمال أخرى.
وهو فيلم غريب بالذات للمشاهد العربي.. ليس فقط لأنه يتعاطى مع تلاقي ثقافات شديدة الاختلاف، بالرغم من أن هذا الأمر حدث في عشرات الأعمال الأخرى، ولكن في الهدوء ومدى الإنسانية التي يتناول بها صانع العمل مع هذا التلاقي، الذي يبدو في أحيان كثيرة -عبر مدة الفيلم- أنه سيتحول إلى إصطدام عنيف، ولكنه لا يفعل.
لأسباب عقلانية وعملية وبراجماتية، ندرك مع تطور القصة أنها ببساطة هي التي تحكم عالمنا، أو ربما هي التي يجب أن تفعل بشكل كامل.
في دوره \”هانكس\” هو مدير التسويق \”آلان كلاي\” الذي يذهب إلى المملكة العربية السعودية من أجل عقد صفقة لتقديم نظام إتصالات متطور للمحادثة عبر الفيديو الهولوجرامي المجسد وبيعه لملك السعودية، وخلال هذه العملية وبسبب الكثير من الوقت الضائع والتأجيلات المستمرة، وبسبب وعكة صحية يصاب بها هناك، تتوثق علاقته بسائق السيارة الذي نقله من المطار، ثم صار يحتاج إلى خدماته لاحقا، وبطبيبة سعودية في مستشفى –تقوم بدورها البريطانية ساريتا شودري– يقع في حبها لاحقا.
لا يمكن هنا أن نعتبر الأمر خروجا عن الموضوعية إذا ما استنتجنا أن نجومية \”توم هانكس\” كأحد رموز هوليوود وأكثر وجوهها شهرة، كانت سببا رئيسيا في الإمساك بعناصر الفيلم سويا وحمايته من آثار التطويل والإيقاع البطيء -إلى حد كبير- الذي وقع فيه صناعه.
هذا بالطبع إلى جانب أدائه المميز الذي صار مسّلمة لا يجب الوقوف عندها طويلا.
في الواقع تبني الرجل للقصة المأخوذة عن رواية بنفس الاسم للأمريكي \”ديف إيجرز\” وقبوله للدور، كان بمثابة قبلة الحياة للمشروع الذي رعاه المنتج الأمريكي اليهودي سكندري المولد \”حاييم صبان\”، فالقصة جذابة بالفعل للمشاهد العربي والأجنبي على حد سواء، بالذات لأن بلدا مثل السعودية يظل بالنسبة لهم مجتمع منغلق إلى حد كبير، ومكبل بالتقاليد والغموض على الرغم من مئات الآلاف من الغربيين الذين عاشوا بالفعل وعملوا على أرضها.
وبالنسبة لنا وكما نقول دائما، فإن مثل هذه الأعمال والقصص لا تتيح للمشاهد العربي فرصة التسلية بطرافة تفاعل الشخصية الغربية مع ثقافته وتقاليده، بقدر ما تتيح له فرصة أن ينظر هو نفسه لهذه الثقافة بعين خارجية.. ربما رأى فيها ما يدعو للعجب أو الفخر أو الخجل.
وهي أداة تفاعل قوية جدا تقدمها الدراما، تعتمد على التعاطف/التوحد مع الشخصية الرئيسية، مما يمّكن صانع الفيلم من توجيه المشاهد للتفكير من خلالها والنظر من وجهة نظرها.
بالطبع تكون هذه الأداة فعالة بقدر براعة صانع الفيلم، وهي في هذا العمل لم تكن على مستوى لائق من وجهة نظري، ولم يتح صانعوه لمشاهديه أن تثري نظرة أي من الطرفين إلى الآخر بالشكل الكافي.
لا يمنع أن الفيلم لا يحتوي على الكثير من الدفء والإنسانية، حتى وهو يتعاطى مع الأمريكي الأبيض الرأسمالي سيء السمعة عادة، حيث نرى صراعه ومعاناته الذاتية بسبب الأزمة المالية التي مر بها العالم، ونرى تحول موجة المد القادم من الشرق ومن الصين تحديدا، والذي يجرف مكاسب الغربيين واستثماراته حول العالم وفي بلادهم نفسها. كما نرى تطور علاقة رومانسية غير متكلفة بين بطل القصة وطبيبته التي تحاصر تقاليد مجتمعها المتحفظ أي تعبير ممكن عن المشاعر.
لا يمكن اعتبار A Hologram for the King فيلما سيئا، بالذات مع وجود \”توم هانكس\”، ولكنه في ذات الوقت لن يرقى إلى توقعات المشاهد، ربما لنفس السبب.