جهاد منسي تكتب: عندما يكون النجاح بديلًا لغياب الحب

عندما قابلت زوجي لأول مرة، كان أجمل وصف وصفني به: \”أنتِ كثير\”، رآني كما تمنيت أن يراني كل الناس، ناجحة في عملي، مثقفة، واعية، كاتبة، أمارس الرقص وأهوى الموسيقى، أحفظ القرآن، وأقرأ كثيرًا.
أعرف كثيرات في محيطنا ومجتمعنا بهذه الصفات نفسها. هذه تخرجت بتفوق. وهذه تحضر الماجستير. وأخرى قاربت على الانتهاء من رسالة الدكتوراه. وتلك عملت في مجال مرموق. وكثيرات يمارسن الرياضة والفن والموسيقى ويتفوقن ويقرأن، وما بين الكورسات والدراسات وفرص العمل، أجد كل بنات جيلي يبحثن عن خلطة النجاح السحرية. الخلطة التي سيواجهن بها السؤال السخيف: \”مش هنفرح بيكي بقى؟\”

معظمهن متفوقات فعلًا، ولأنهن يفكرن بعقل واعٍ، يرفضن الانتظار الممل للعريس، وبدأن في اختيار طريق مختلف للنجاح في الحياة. هن يبحثن عن السعادة. كل واحدة منهن تبحث عن حياة أفضل بمشاركة رجل يحمل معها أعباء ومسؤولية هذه الحياة. ولكن الواقع يصدمهن، لأن الرجل في مجتمعنا لم يعد ذلك الرجل الذي يمكن أن تسلميه حياتك وأنتِ مطمئنة. وليس هو الرجل الذي سيقدر نجاحك وتميزك ولا ينظر إليك على أنك مجرد \”ديكور\” لاستكمال الشكل الاجتماعي.
من حق كل فتاة أن تختار شريكها الذي يوازيها في المستوى العلمي والثقافي. من حقها أن تتمنى أن تعيش قصة حب مثلما قرأتها في الروايات وشاهدتها في الأفلام. من حقها أن تبني حياة سعيدة بلا تنازلات. من حقها أن يراها الجميع من الداخل كما هي. ولكن المجتمع للأسف يسلبها هذا الحق، لأنها اختارت أن تكون مستقلة قوية الشخصية، ولأنها واجهت بقوة لقب \”عانس\”، ورفضت أن تخضع لابتزاز المجتمع بحجة \”سنك كبر!\”

عندما تصل الفتاة إلى هذه الدرجة من النضج والنجاح والتفوق العلمي والعملي، فهي تعوض غياب شيء ضروري ليس لها يد في عدم وجوده، كلهن يحتجن للحب والمشاركة والطبطبة ولمسة الحنية. ولكن الرجل الشرقي بخيل، لا يريد أن يتحمل عبء المشاركة، يريدها \”عروسة لعبة\” تبتسم وتقول حاضر.
برأيك، لماذا يخشى الرجل في مجتمعنا من الفتاة المتفوقة أو المثقفة؟ لأنه يعلم أنها أعلى منه في كل شيء والرجل الشرقي لا يقبل أن يكون تابعًا أو يشعر بالدونية خاصة إذا كان ضعيف الشخصية أو أقل اجتماعيًا وثقافيًا. يفضل الرجل الاقتران بزوجة تافهة ترضي رغباته الذكورية، لا تجادل ولا تبدي رأيًا، لا تشعره بضعفه وضحالة تفكيره وضآلة شخصيته.
وبين ضغط الأهل والمجتمع، وندرة الرجل فارس الأحلام الحقيقي، لا بديل عن الإصرار والمضي في رحلة النجاح. نحن نراهن قويات، ولكنهن برغم التفوق، في حاجة شديدة للحب، لبناء أسرة، في حاجة لمن يكتشفهن من الداخل، في حاجة لمن يملأ الفراغ بداخلهن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top