تامر موافي يكتب: تصريحات الفريق مميش بين الواقع والعشم

نقلت لنا بوابة الأهرام منذ أكثر من شهر وتحديدا بتاريخ 13 يونيو 2015 تصريحا منسوبا للفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس يقول فيه حسب عنوان الخبر: \”100 مليار دولار عوائد سنوية متوقعة لمشروعات تنمية قناة السويس الجديدة\”.

نص الخبر كما هو معتاد في المواقع الصحفية، يختلف قليلا عن العنوان، لكنه اختلاف هام في حالتنا هذه، فالمقصود من تصريح الفريق مميش هو مشروعات محور تنمية سيناء والقناة، وهذا يجعل الخبر أكثر منطقية، لكنه لا يجعله منطقيا تماما.

حتى نفهم التصريح بشكل أوضح دعنا نحاول استنتاج المقصود به بشكل أكثر دقة، فالمقصود بالتأكيد لا يمكن أن يكون إيرادات الدولة الناتج عن هذه المشروعات، والتي سيتولى إنشاء معظمها القطاع الخاص وستنحصر إيرادات الدولة منها في الضرائب على أرباحها، وفي الواقع أن نص الخبر يتحدث عن تحقيق 100 مليار دولار للاقتصاد المصري، وليس لموازنة الدولة. وبالتالي ولإزالة أي لبس لابد من افتراض أن الفريق مميش يتحدث عن زيادة لإجمالي الدخل القومي تبلغ 100 مليار دولار سنويا، وهنا يتبين لنا الحجم الضخم لهذه الزيادة المتوقعة عندما نقارنها بإجمالي الدخل القومي الحالي لمصر والذي يزيد قليلا عن 250 مليار دولار. وهذا يعني أن الفريق مميش يعدنا بأن مشروعات تنمية محور القناة سترفع الدخل القومي لمصر بنسبة تبلغ حوالي 40%!

إذا لم تكن قيمة هذا الرقم واضحة بالنسبة لك حتى الآن، دعني أوضح لك أن الدخل القومي يقصد به القيمة المضافة الناتجة عن كافة أشكال الأنشطة الاقتصادية التي تتم في بلد ما وتشمل قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات المختلفة، وبالتالي فإن رقم الـ250 مليار دولار المحقق سنويا للاقتصاد المصري هو ناتج كافة الأنشطة الاقتصادية الممارسة في مصر حاليا، وهو ناتج عمل حوالي 30 مليون عامل هم إجمالي قوة العمل المصرية. فهل يعدنا الفريق مميش أن يكون حجم مشروعات محور القناة مكافئا لـ40% من حجم الاقتصاد المصري حاليا؟

بالطبع هناك فارق بين حجم المشروع والقيمة المضافة التي يحققها. ويمكننا أن نتصور أن تحقق المشروعات الجديدة قيمة مضافة بمعدل أعلى من متوسط الأنشطة الاقتصادية الحالية، لكن مع افتراض أن هذا المعدل هو الضعف فلا يزال الوعد بإضافة قدرها 20% من إجمالي حجم الاقتصاد الحالي مثيرا للتساؤل عن المدى الزمني الذي يمكن أن تتحقق خلاله هذه الزيادة، وهو ما لا يحدثنا الفريق مميش عنه.

حتى لا يبدو حديثي هنا محصورا في إطار التشكيك المحض، فلست بالضرورة أقول إن الرقم الذي نقلته بوابة الأهرام عن الفريق مميش مستحيل التحقق في المطلق، لكنني أقول فقط إنه شديد الطموح إلى حد لا يدعمه الواقع.

الأهم من ذلك أن هذا الرقم يقف منفردا ودون توضيح المدى الزمني لتحوله من توقع إلى حقيقة، وكذلك دون تفاصيل واضحة عن الدراسات التي نتج عنها والفرضيات التي بنت هذه الدراسات عليها استنتاجاتها، وهو بذلك يرفع توقعات الناس دون أن يقدم لهم الأساس الموضوعي الذي يجعل هذه التوقعات منطقية، فمجرد تحقيق زيادة كبيرة في معدل النمو سواء للاقتصاد أو للناتج القومي لا يعني بشكل ميكانيكي رفعا لمستوى معيشة الناس من كافة الفئات الاجتماعية، ولذلك فحتى إن سلمنا بأن هذا الرقم واقعي وأنه سيتحقق في نقطة ما من المستقبل، فلا توجد أي مؤشرات واضحة لما يمكن للناس توقعه من آثار له على حياتهم. فنحن لا نعرف عدد فرص العمل التي ستوفرها مشروعات تنمية محور القناة وبأي نسبة ستسهم في تخفيض معدل البطالة الحالي. ونحن لا نعرف متوسط قيمة فرص العمل هذه وإن كانت ستتخطى الحد الأدنى للأجر اللازمة لتوفير حياة كريمة للعامل، ويقلل من عبء توفير خدمات مجانية أو مدعومة حكوميا له ولأسرته، وبالتالي يسهم في التخفيف من حد الزيادة السنوية في عجز الموازنة العامة للدولة. كما أننا لا نعرف حجم صافي الزيادة في إيرادات الدولة التي ستوفرها هذه المشروعات الجديدة والتي سيكون معظمها مملوكا للقطاع الخاص مما يعني أن إيرادات الدولة الناتجة عنها ستنحصر في الضرائب المحصلة على أرباحها كما سبق أن ذكرنا. ومع الأخذ في الاعتبار كافة أشكال الإعفاءات الضريبية والجمركية ودعم الصادرات وأنواع الدعم الأخرى وبخاصة دعم الطاقة  وتكاليف إنشاء وصيانة البنية التحتية اللازمة إلخ، فإن أحدا لا يقدم لنا تقديرا واضحا للعائد المتوقع على المال العام المستثمر ومتى سيتحقق هذا العائد. باختصار لا أحد يخبرنا بما يجعلنا كمواطنين نستبشر خيرا بهذا الرقم الطموح بخلاف الأمنيات الطيبة.

خطورة مثل هذا التصريح تتخطى مدى ما يحمله من مصداقية أو دقة، وتكمن بالتحديد في أنها تربط آمال الناس في غد أفضل لهم ولأبنائهم بطموحات وردية براقة، قد لا تنعكس إيجابيا على حياة الغالبية العظمى منهم بأي شكل، والمثال الواضح لواقع النمو الاقتصادي، هو ما حققته مصر خلال السنوات العشرة الأولى من الألفية من نسب مرتفعة للنمو لم تتحسن معها معيشة الغالبية العظمى من المصريين، بل على العكس من ذلك انخفض الدخل الحقيقي لغالبيتهم وتزايدت نسبة من يرزحون منهم تحت وطأة الفقر. ويكفي أن تعرف أن إجمالي نسبة نمو الاقتصاد المصري خلال السنوات العشرة المشار إليها كان أكبر مما يعدنا به الفريق مميش على طموحه الشديد. وهذا يعني ببساطة أنه سواء صدقت التصريح كمواطن عادي أو تشككت في دقته، فهو في النهاية قد لا يعني لك شيئا على الإطلاق. وفي غياب أي تفاصيل نحكم من خلالها عن الأثر الفعلي للمشروع على حياتنا، فلا يبقى للمتفائلين سوى التمسك بالعشم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top