لم أتعجب عندما سمعت صوتهم العالي في نقاشهم اليومي المعتاد، فهذا دأبهم منذ اليوم الأول لخروجهم على المعاش منذ عدة سنوات وبداية استقراراهم بجانبنا على قهوة المعاشات، وكعادتي لم أشأ أن أخوض معهم في جدال عقيم أعرف نهايته مسبقًا، إلا أن الفضول دائمًا ما كان يجذبني للاستمتاع بجدالهم الأزلي المستمر على الأوضاع السياسية في مصر.
سحب سعيد نفسًا عميقًا من حجر التفاح، ثم نفخ دخانه في الهواء قائلًا: مالك بس يا إبراهيم؟ إيه اللي مش عاجبك في البلد؟
مسح إبراهيم بيده على ما تبقى من شعره الأبيض بصورة عفوية ثم أجاب بمرارة: حال البلد يا سيدى. العيشة زفت ونيلة وكل يوم نقول بكرة هاتبقى أحسن وبكرة ده ما بيجيش أبدًا.
قاطعه سعيد بحدة: يا أخى قول الحمد لله. مش أحسن ما نبقى زي الصومال ومقديشيو.
أجاب إبراهيم: معاك حق يا سعيد بس إحنا تعبنا. وآخر خمس سنين العيشة بقت صعبة قوى. بقينا بنستحمى مرة كل ثلاثة أسابيع بدل كل أسبوعين، والأسعار عمالة تزيد ومش عارفين نلمها منين ولا منين. رغيف العيش وصل 75 جنيه وياريته موجود. تقف طابور يوم صاحي عشان تجيب 10 أرغفة بلدي بـ 750 جنيه، ويقولك مفيش فكة ويلهف الـ 800 جنيه كاملين، اللحمة كنا بنجيبها مرتين في السنة، دلوقتي بعد ما الكيلو وصل لـ 25 ألف جنيه بقينا بنجيبها مرة واحدة في السنة، وطبعًا لو فكرت تجيب كيلو طماطم وعلبة سمنة آدي 5000 جنيه تانيين.
قال سعيد بشفقة حقيقية: أنا حاسس بيك بس هانت خلاص. سيادة الريس وعدنا بالنهضة الاقتصادية الحقيقية السنة دي، وكل حاجة هاتتحل بإذن الله.
قاطعه إبراهيم: أيوه يا عم ما أنت عشان أبنك الكبير بقى أمين شرطة مش حاسس باللي إحنا فيه، ولا ابنك الصغير اللي هاجر كينيا وبيشتغل في وظيفة محترمة وبيت فخم وعربية ومتجوز واحدة كينياوية وأخد الجنسية وبيتعامل أفضل معاملة. إحنا هنا اللي في المخروبة دى وطافحين الدم.
قال سعيد: خمسة وخميسة يا أخي. أنت هاتنق على رزق العيال؟ ما أنا قولتلك بيع الشقة وادفع له رشوة ودخله معهد أمناء الشرطة. ولا كنت دفعت له وسفرته على مركب لكينيا. كان زمانك مرتاح زيي دلوقتي.
قال إبراهيم: وهي يعنى المليون جنيه تمن الأوضة والصالة اللي قاعد فيهم أنا والولية والواد في عزبة النخل دي، تعمل حاجة؟ وبعدين الريس قال إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه. فين بقى الريس وعملنا إيه؟
قال سعيد: يا أى حرام عليك الراجل. كفاية إنه استلم البلد خرابة وحمانا من الإخوان، بعد ما العيال الصيع عملوا ثورة وسلموا البلد للإخوان وكانوا هايودونا في ستين داهية.
أجابه إبراهيم: معاك حق يا سعيد. أنا مش عارف إيه اللى حصلي. ساعات من كتر الضغط بالوم الراجل، وهو كتر خيره من ساعة ما استجاب للشعب واترشح وبقى رئيس جمهورية من 49 سنة وهو مفيش يوم بيرتاح فيه.
قال سعيد: بس عارف يا إبراهيم. أنت معاك حق. البلد محتاجة دم جديد. والريس مبقاش صغير، ده عدى الـ 109 سنة وكفاية عليه كده، المفروض يرتاح بقى.
إبراهيم: معاك حق. البلد دي محتاجة واحد عسكري يحكمها، والريس بتاعتنا قلع البدلة العسكرية من ييجي خمسين سنة وبقى مدنى خلاص، إيه رأيك نعمل حملة على الفيسبوك نطالب فيها سيادة الفريق تامر نادر مصطفى عبد الجبار القبيصي وزير الدفاع بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، خلفًا لجده؟
سعيد: صح. الأمل في الشباب. واد يا بقلظ. تعالى غير الحجر وافتح الزفت التليفزيون ده نشوف آخر الأخبار.
يفتح بقلظ التليفزيون بينما يصدح صوت مذيع صدى البلد تامر هيثم حمادة أحمد موسى قائلًا: أنا بقولكوا أهو. الحرب على البلد وعليكوا أكتر من أي وقت مضى. والخير اللي جاي للمصريين وأنا بقولكوا أهو وأعني الكلام. العام القادم يبدأ هذا الخير. عارف حضرتك لما تتكلم وتقول مرجان ياقوت؟ أيوة. هانكتشف بترول ودهب. والمرتب هايوصل للمواطن لحد باب البيت. نصبر على الراجل شوية بقى. أنتوا نسيتوا يا مصريين من غيره كان زمانا هانكون فين ولا إيه؟
يكفهر وجه سعيد ويخلع حذاءه ويلقيه تجاه التليفزيون على طريقة \”منتظر الزيدي\”، ويصيح في بقلظ: تعالى يا زفت اقفل الزفت ده بدل ما اقوم اكسرلك أم التليفزيون ده.
يهرول بقلظ ليغير القناة ناحية قناة الجزيرة، فيصدح صوت مذيعة قناة الجزيرة في القهوة قائلة: تظاهرات في جميع أنحاء مصر مطالبة بعودة الشرعية، ولا اتفاق ولا سلام قبل عودة سيادة الرئيس محمد مرسي إلى حكم مصر، والمرشد السابع عشر لجماعة الإخوان المسلمين حسن محمد حسن سيف الإسلام محمد بديع يدشن أسبوع الصمود الرابع عشر بعد الأربعمائة بعد السابعة والعشرين ألف تحت عنوان \”اليأس خيانة\”