في ظل الارتباك الذي نعيشه داخل صندوق الدين والخرافة والظلام والنور والحياة والموت وإسلام البحيري والأزهر، تظهر علامات التأخر العقلي لمجتمعنا العزيز، فنحن ما زلنا نبحث في بديهيات تجاوزتها دول العالم من قرون، فالبخاري مثلا رغم موته مازالت لجانه الاليكترونية تعمل إلى الآن، فلا تقترب منه ولا تنتقده لأنه سوف تصيبك لعنته في الظلام.
من هذا المنطلق تجد كل عصر يخلق البخاري الذي يخصه، وكل جماعة تدافع عن بخاريها.. مثلما يحدث مع باسم يوسف، إذا أردت أن تعيش في سلام دون أن تصيبك لعنته، فلا تنتقده، لأنه سوف يقال عنك أنك بعت الثورة، وتكرهه لأنك من الفلول أو من الإخوان، مع العلم أنك تحبه ومن متابعيه بشكل جيد أكثر منهم، لكن انتقاده أصبح من المحرمات كما البخاري.
ماذا لو قدم باسم يوسف هذا البرنامج قبل الثورة؟ قد يكون مجرد برنامج لايت يعرض وينتهي عادي، وفي هذه الحالة ستخرج مجموعة من الحشود البرامجية وتقول: ده شبه برنامج ساعة مع سمير الذي كان يقدمه سمير غانم، مع العلم أنه ليس له علاقة به ولا بفورمات البرنامج، وقد ينجح نجاحا منقطع النظير، لدرجة أنه يقترب من برامج أي من الفنانين الكوميديين، وسيكون مجرد موسم رمضاني شيق، وسيكون اسمه كرسي الاعتراف ويستضيف نجوم المجتمع من الفنانين ولاعبي الكرة وبعض السياسين الذين يقدمون تصريحات نارية حراقة تشعلل البرنامج، لكن هناك ما يسمى الظرف التاريخي الذي يصنع نجومية الإعلامي أو الفنان أو يكون هذا الفنان له قصة مؤثرة فيشتبك مع شجونك الشخصية، مثل فنان كان فقيرا ثم أصبح نجما أو فنان مرتبط بجملة تشبهك إلى حد ما، هناك عوامل قد تحيطك وتدفعك لمسار النجومية دون حساب ونجاحك وموهبتك من الخلف قادمة لكي تجعلك تتربع على عرش النجاح.
كلنا نعلم الظرف التاريخي الذي جاء بباسم يوسف وانقسام المجتمع بين فريقين.. فريق ثوري والذي يمثله باسم يوسف، وفريق الفلول الذي يكره باسم، وأيضا هو يشارك في نجاحه بشكل عكسي، ثم تطور الأمر إلى الخناقة الكبرى والسريعة بين فريق المدنيين والإخوان، وسرعان ما تغيرت خريطة الفرق المتابعة والمحبة لباسم يوسف.
كل هذه العوامل ساهمت في نجاحه، ولن ننكر بالطبع موهبته وحضوره أمام الكاميرا.
جاء باسم يوسف بفورمات برنامج يقدمه جون ستيورات وقرر أن يقدمه بنكهته الخاصة وكان يعترف بهذا، وجاء به ضيفا في برنامجه \”البرنامج\”، فالأحداث مختلفة بين العملين.. كل واحد يقدم ما يتناسب مع جمهوره وفكره، لأن هناك ما يسمي بالفورمات، وهي معالجة الفقرات وعددها ووقتها داخل كل حلقة، وهي متاحة للجميع أن يقدمها.. مثل المسلسلات الطويلة 45 دقيقة الحلقةsoap opera هي فورمات أمريكانية، لكننا تعودنا عليها في مصر فنسينا أنها فورم أجنبي، وتعاملنا معها على أنها مصرية خالصة، وأيضا وقت ظهور مسلسلات السيت كوم، اعتقدوا أن أي مسلسل سيت كوم وقتها، هو مسروق من مسلسل \”فريندز\” لأنه قصير مثله ويحوي أكثر من حكاية داخل كل حلقة.
المشكلة هنا ليست في باسم يوسف، ولا ما يقدمه، لكن المشكلة بدأت فور فسخ عقده مع القنوات وإيقافه بإيعاز من السلطة كما قيل لنا وصدقناه. ظهرت مجموعة تعاقب كل من يقدم برنامجا ساخرا بأنه يقلد باسم يوسف، فأصبحت المجموعة تجلس متربصة بأي شخص يقترب من فورمات برنامج ساخر، حتى يظل باسم يوسف هو الأوحد، ويكون عقاب أي برنامج أنه سيفشل بمجرد عرض البرومو.. حيلة نفسية يستخدمها أصحابها بوعي وبدون وعي، كرد فعل لرفضهم للسلطة الحالية (شفتوا بقى مشيتوا باسم يوسف ليه؟ مشوا باسم يوسف وفكوه بست برامج فاشلة.. إيه السخافة دي.. ده باسم يوسف برقبته.. كفاية تقليد بقى رجعوا الأصل أحسن لكم).. جمل متتكررة مع كل البرامج التي تقدم، ومحاولة مستميتة لقتل هذه النوعية من البرامج، مع العلم أنك لو رجعت لما كنت تكتبه قبل وقفه، ستغير كلامك ووجهة نظرك، والذي تم إنقاذه هو أبوحفيظة من بين البرامج، لأنه قدم البرنامج قبل باسم يوسف، ولو جاء بعده لاتهموه بأنه يقلد باسم يوسف.
ماذا لو كان باسم يوسف قد أيد السيسي في الانتخابات وأصبح من فريقه؟ وظل يقدم البرنامج إلى الآن؟ هل ستكون في صفه لأنك تؤمن بموهبته؟ أم أنك ستسبه ليل نهار لأنه يختلف معك؟
للأسف.. السياسة أصبحت معيارا أساسيا في تقييم جماليات أي عمل، وهذا طبيعي بعد ثورات وحروب في أي مجتمع، وزيادتها عن الحد ستجرف أنواعا فنية من المنبع، والجمال والفن نفسه سيتحول لكباريهات سياسية.. كل فريق يدعم من يخصه.
كلامي ليس بغرض إقناعك عزيزي القارئ بأي عمل.. من حقك أن تحب أي برنامج أو تكرهه، لكن لا تربط نجاح أو فشل أي عمل ببرنامج باسم يوسف، واعلم عزيزي المتفرج والمتربص أن هناك نوعيات مختلفة من البرامج الساخرة، ولها فورمات مختلفة، وليست كلها باسم يوسف، واتركوا صناع الأعمال يحاولون، فقد ينجحوا في إسعادك، فهذه الفترة كئيبة لدرجة صعوبة صنع أي ابتسامة أو سخرية، وصعوبة في طرح الأفكار التي لا تزعج السلطة أو أصحاب القنوات، أو أن تشتبك مع فريق من المجتمع ويكرهك فتختار أفكار محايدة لكي لا يغضب منك أي فريق.. إعذرونا فهذه فترة مرتبكة، ويجب على الجميع أن يجرب حتى يجد نافذة تليق بك عزيزي المشاهد.. والرحمة حلوة والله.