فكرة: سارة هجرس
تأليف: هيثم رزق
ظنوا أن سن هذا القانون سيكون له أثر إيجابي على أرواحنا وأنفسنا اللتين أوغلتا في الاكتئاب والضجر، لم يستطيعوا أن يطلقوا الحبال لأفكارهم خارج الصندوق (Out of the box) كما يقولون؛ أصغر من فينا قد طوق العالم برحلات على متن طائرات خاصة، جمع اللؤلؤ والأسماك النادرة من محميات طبيعية، التي لا يشق سطح مائها إلا النافذين بسطوة المال، اصطاد الأيائل النادرة في أحراش أمريكا الشمالية –ضجرنا لم يأت من قلة المال- تسلقنا جبال التبت على ظهور الفقراء كنوع من التسلية –بالبشر- أشعلنا صراعات بين قبائل بربرية تسكن صحاري أفريقيا كلعبة شطرنج واقعية ينخ مهزوما فيها من يُقتل ملكه، مارسنا أنواع الجنس مع ألوان البشر، ما نشتهيه من أطعمة الأرض يأتينا في حجر نومنا.
القتل، الحب، النهب، التلاعب بالمصائر، الإحسان، الكره.. كل الأفاعيل والمشاعر التي تخطر على بالك، والتي تستطيع كتابتها، أو أن تجد لها مرادفا لغويا، أو لا تستطيع هذا ولا ذاك فعلناها كأطفال يلهون بكرة.
بوسعي إخبارك الآن من الفائز بالألومبيات بعد ثلاث دورات من الآن، لكنني لن أبيح لك.. لا توجد عندنا مفاجأت. إنه المال.. تريدني أن أخبرك من أنا، لن أريح لك بالا، فهذا في ذاته لعبة مسلية، أن أرى فضولك وأتركك لهواجسك، تتساءل بينك وبين نفسك:
\”لابد أنه مخادع؟ يكذب عليّ. هل يرنو لأن يخضعني لكذبة ليستحس بها فضولي فأتابع القراءة؟ ماذا لو كان صادقا؟.. صادق؟!
صدقني كل هذه الأسئلة لا تهم.. لقد بدأت معك اللعبة، وأنت استلطفتها، مستحسنا غرابة الفكرة وغموض المعنى، لكن انتبه.. أنت لم تسألني حتى الآن عن أول سطر قرأته، هيا اسأل.. نسيت؟ تريد الرجوع إليه؟ اسأل.. ما هو القانون الذي سُن؟ من سَنه؟ ولماذا؟
أيها الذكي الحاذق، أراك تبتهج وأنت ترى تلافيف مخك تلمع باستنتاج ألمعيّ، محدثًا نفسك \”قطعًا إني أعلم سبب ضجرهم واكتئابهم، ما بال قوم باستطاعتهم فعل المباح وغير المباح، ألا تتخم أرواحهم ضيقًا\”
حقًا إن تلافيف مخك تلمع وتتوهج من شدة نَحلها، ليس لفطنة وذكاء. فكر قاصر. نعم هذا فكرٌ قاصر، وهو أيضا ما يعجبني، أن يكون فكرك وليدا طيّعا.. ألاحظت استخدامي لكلمة (قطعا)؟ كما استخدمتها أنت في الفقرة السابقة، أحاول مجاراتك، مقتبسا منك مفرداتك اللغوية التي استخدمتها آنفا.
يا هرم يا أبله، أنا من أكتب، أنت لم تقل شيئا، فهذه ظنوني أنا فيما جال بخاطرك.. هذه حقا لعبة مسلية.
ألم يباغتك صديق لك مرة قائلا ما يدور في ذهنك بمجرد أن يراك؟ – أنا لست صديقك. لكنني أعرفك.. أنا أجلس مكانك الآن وأنت تقرأ، لا تغير من وضعيتك، وتهمس لنفسك: \”لست جالسا\”، ومضة النور التي تخرج من الكاميرا تشبهني كثيرا. تشبهك كثيرا في لقطة صورتك التي تعرفها عن سحنتك، والتي أعرفها عنك.. كلام فلسفي ليس له عازة، وله مدلول، مجرد محاولة فاشلة لاستثارة مشاعرك أو هواجس تدور في مخيلتك: \”ماذا يريد مني هذا المتكبر؟ إن لم يطلعني على مقصده سأتوقف عن متابعة القراءة\”
اليوم المفتوح: هذا اسم القانون الذي سنه مجلس حكمائنا الأغبياء، كم هو هزلي هذا الاسم.. اليوم المفتوح.. (يوم يحق لك أن تفعل فيه ما تريد دون الوقوع تحت طائلة القانون) وهذا هو نصه. أظن أن أتفه من ذلك لم تقرأ من قبل! اسم هزلي وقانون تافه.
لن استطيع أن أشرح لك مدى تفاهته بالنسبة لي، ولن تتخيل، ولن تستطيع أن تتخيل، في هذا الأمر أنت كطفل تخلص للتو من السائل الأمنيوسي الذي أحاط به في رحم أمه، لا تعتبر هذه مشاكسة جديدة مني، فأنت حقا لا تعلم شيئا عن ما أحكيه، أتعلم معنى أنك لن تحاسب بيد أنك ستُفتح لك أبواب الأفعال على مصراعيها؟ تدخل من أيهما وتخرج من آخر، هكذا دواليك حتى ينتهي يومك.
إن كل متعتي الآن تنصب في مشاهدة شخص مثلك، طعن في جسد العمر باعا، تفتح له أبواب الفعل دون قيد أو شرط ولا ينتظر محاسبة. لي، ربما يكون هذا هو ما لم أتذوقه قَطّ، ولن استطيع حتى مطاردة ضبابات تلك المشاعر، أن أكون تحت قيد اللا فعل، ثم تعطى لي مفاتيح أبوابه، فمنذ استدارة كعبيّ وأنا أمارس تلك اللعبة، أن أفعل ما يحلو لخاطري، ثم يأتي هؤلاء الأغبياء العجزة ليسنوا أفعالنا قانونا؛ تزدان في خلدي المغامرة، تبعث فيّ سخونة عشوائية تزحف كمد البحر، أن أراك كقبطان حبيس يملك بحور الفعل بغتة.
هلا بدأنا يا صديقي؟
نسيت شيئا آخر.. لا تدع غيرك يطّلع على هذه الرسالة.. في انتظار ردك.
\”تتبع\”