للمسئولين في مصر تاريخ طويل من التصريحات التي يمكن تعريفها بأنها صادمة للرأي العام.. تثير الاستغراب، وفي أحيان كثيرة تثير السخرية، وأحيانا تثير الغضب.. مثل تصريح بطرس بطرس غالي، إبان فترة حكم مبارك، حول مشكلة سكان عزبة الهجانة قائلا: هنطلع دين اللي خلفوهم!
وإيمانا منا بأهمية دور المسئولين المصريين في إضحاك الشعب المصري، ومتابعة للمسيرة الغرائبية لتصريحاتهم، فنحن نستعرض معك عزيزي القارئ أغرب التصريحات التي أطلقها المسئولون المصريون في الفترة الأخيرة:
1- \”مفيش شغل في الحكومة ، دوروا في حتة تانية\”
صرحت الدكتورة ناهد عشري وزيرة القوى العاملة قائلة: \”مفيش شغل في الحكومة، دوروا في حتة تانية\”.
ولم توضح الدكتورة، في \”أي حتة\”، يمكن أن يعمل الشباب، لكنها قالت إن على الشباب الاعتماد على أنفسهم، وقد يبدو حديث الدكتورة وجيها، إذا ما وضعنا في الحسبان، أن جل الشباب ينتظرون \”عربيات الخضار\” من سوق العبور التي كان السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وعدهم بها أثناء حملته الانتخابية.
2- \”بننزل القهاوي ونعرض على الشباب تدريبا وفرص عمل، لكنهم بيرفضوا\”
لكن السيد وزير الإسكان، دحض مزاعم السيدة وزيرة القوى العاملة بأن الحكومة لا تمتلك عملا للشباب، وقال تصريحه التالي: \”بننزل القهاوي ونعرض على الشباب تدريبا وفرص عمل، لكنهم بيرفضوا\”!
ولو إن وزير الإسكان وفر جهده في السعي على المقاهي خلف الشباب \”التلفان\”، وأخبر الشباب الصالح بأماكن التدريب والعمل على صفحات الجرائد، لوجد عشرات الآلاف من الشباب يتوجهون إليه دون أن يضطر لإجهاد نفسه، لكن وزيرة القوى العاملة طلبت منهم أن يبحثوا عن فرص عمل أخرى في أماكن أخرى غير الدولة، وهم الآن حائرون بين تصريحاتها وبين سعيه على المقاهي.
3- \”مدرسو مصر من الأفضل عالميا وبيعلموا أمريكا\”
دائما ما يشير الإعلام إلى مصر بعبارة: مصر الريادة والقيادة.
نحن نحفظ هذه العبارة منذ نعومة أظافرنا، لكننا كنا نظن إن الريادة المصرية تقتصر على الوطن العربي، بالطبع بعد أن كبرنا وشببنا عن الطوق، تبين لنا أن مصر الريادة والقيادة \”بعافية شوية\”، وأن كثيرا من الدول العربية المحيطة بنا، لم تعد تنظر لمصر كمثل أعلى، ولا نستطيع لومهم، فإن كان الشباب المصري يقفز في البحر هربا من واقعه، فلا يعقل أن ترى الدول العربية المحيطة – خاصة التي تتمتع بثروة كبيرة – في مصر مثلا يحتذى به، اللهم إلا إذا أرادت أن تعلم أبناءها السباحة في المحيطات وأعالي البحار.
لكن المسئولين في مصر يرون رأيا مختلفا، بل إنهم يشعرون بإن ريادة مصر وقيادتها تعدت العالم العربي ووصلت إلى العالمية، وهم مقتنعون بذلك تماما، كاقتناع الإخوان بأن \”مرسي راجع\”، وبالطبع فإن هناك قناعات قومية في مصر، مثل أن الطفل المصري أذكى طفل في العالم، لكن حتى هذه الأسطورة الشعبية التي يؤمن بها المصريون، راعت الظروف الحضارية والاقتصادية والسياسية المزرية التي تمر بها مصر، فتتمة أسطورة إن الطفل المصري أذكى طفل في العالم هي: لحد سن دخول المدرسة، بعد ما بيخش المدرسة ذكاءه بيتدهور. وهذا اعتراف ضمني شعبي بأن نظام التعليم في مصر كفيل بتدمير المواهب وتحطيم الذكاء، لكن وزير التعليم يرى رأيا آخر، يخالف حتى الأساطير الشعبية التي يستخدمها المصريين ليجبروا بخاطر أنفسهم، حيث صرح السيد وزير التعليم قائلا: \”مدرسو مصر من الأفضل عالميا وبيعلموا أمريكا\”.
وبما إن أحدا لم يعقب على هذه العبارة الصادمة، واكتفى الناس بالاندهاش، ولم يسأله أحد: أمريكا بتتعلم إيه يا فندم من المدرسين بتوعنا؟ الضرب بسن المسطرة الخشب على ضهر الإيد؟ ولا فرك ودان العيال في السقعة؟ ولا جعير المدرس وهو ماسك كراسة العيل وبيشرشحه وسط الفصل وهو بيقول: شايفين كراسة زميلكوا معفنة إزاي؟ عارفين ليه؟ عشان هو معفن… والعيال تضحك.
وهناك خصلتان يجب أن تتعلمهما أمريكا من المدرسين المصريين.. الأولى: كيف تعلم طفلك الصبر والجلد والتحمل، إلى جانب القدرة على التركيز مهما كانت المغريات، حيث يقوم المدرس بإخراج ساندوتشات البيض والبسطرمة واللانشون، و\”يلغ\” أمام الأطفال أثناء الحصة المدرسية، بينما يجلس الأطفال يشمون رائحة الطعام، ويزدردون لعابهم، ويحاولون جاهدين التركيز في الدرس بدلا من التركيز في تخيلهم أنهم تمكنوا من أخذ \”قطمة\” من الساندوتش.
أما الخصلة الأخرى، فهي: كيف تصنع طفلا مخبرا. إذ يرغب المدرس أو المدرسة في الرغي مع زميله على باب الفصل، ولا يريد من التلاميذ إحداث ضجة، فيختار اثنين من التلاميذ، ويطلب منهم الوقوف ومراقبة الفصل، وكتابة اسم كل من تسول له نفسه الحديث مع زميله، اقتداءا بالمدرس الذي يتحدث مع زميله، أو استخراج الساندوتش من الحقيبة المدرسية لتناول \”قطمة\” خلسة. ويتمنى جميع التلاميذ أن يحظوا بمهمة مراقبة زملائهم، وحين يكبرون، يتحولون إلى مخبرين، وذلك لإنهم تم تأسيسهم التأسيس السليم في المدرسة.
لكن، بما إن أحدا لم ينبه السيد وزير التعليم إلى كل هذه الإنجازات العظيمة التي يقوم بها مدرسو مصر، فإن السيد وزير التعليم أخذته الجلالة وقال في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج:
الدول كلها تحتذي بمصر في مجال التعليم! ولم يفهم أحد هذه الجملة إلا في إطار: شايفين مصر؟ أهو إحنا مش عايزينكوا تبقوا زيها خااااااااااااالص.
4- \”وفد فرنسي حضر إلى مصر للاستفادة من خبرات مصر في مكافحة الإرهاب\”
لم تتوقف الريادة المصرية العالمية عند مجال التعليم، فقد خرجت علينا الصحف المصرية لتؤكد لنا بأن وفدا فرنسيا حضر إلى مصر للاستفادة من خبرات مصر في مكافحة الإرهاب! ومع تزايد القنابل، وتزايد أعداد القتلى، بما فيهم خبراء المفرقعات الذين يموتون أثناء تفكيك القنبلة، فإننا لا نفهم هذا الخبر- إن صح – إلا في إطار أن الوفد الفرنسي جاء لمصر كي يعرف طريقة: كيف تفشل في مواجهة الإرهاب، لتتجنب فرنسا كل ما تقوم به مصر.
5- \”مصر تمتلك مستشفيات أفضل من مستشفيات بريطانيا\”
هناك تصريح آخر يعجز اللسان عن وصفه، جرى على فم وزير التعليم العالي، حيث قال بإن مصر تمتلك مستشفيات أفضل من مستشفيات بريطانيا. ربما كان يقصد بريطانيا البلد. ولنا هنا سؤال نود أن نوجهه للسيد وزير التعليم العالي: لو أنك يا سيادة الوزير – لا قدر الله – أصابك أو أصاب أحد أبنائك أو أحفادك مرض ما، هل تفضل العلاج في مستشفيات مصر أم في مستشفيات بريطانيا، التي لا ترقى لمستوى المستشفيات المصرية؟ ولو أن ما تقوله صحيحا، فلماذا لا نرى مسئولين يدخلون مستشفيات الدولة للعلاج؟ لماذا دائما ما يسافرون للعلاج في الخارج؟ ربما لأنهم يرفضون أن يزاحموا الشعب المصري في مستشفياته الفاخرة، ويرضون بقليلهم، ويتواضعون، فيقبلون بالعلاج في بريطانيا وألمانيا وفرنسا.. صحيح، النفس الحلوة لها الجنة.
6- \”الشرطة المصرية تؤدي عملها أفضل من أجهزة الأمن في أوروبا\”
وللأمانة، فإن التصريحات الغريبة لا تجري على لسان المسئولين المصريين فقط، فهناك بعض من الساسة ورؤساء الأحزاب الذين يرغبون في نيل رضا النظام المصري، يتبرعون بتصريحات مضحكة، مثل رئيس حزب الجيل الديمقراطي الذي قال بإن \”الشرطة المصرية تؤدي عملها أفضل من أجهزة الأمن في أوروبا\”.
وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، فنحن نعلم أن ظاهرة الإلحاد – والعياذ بالله – تنتشر في أوروبا، لذا، فإنهم قوم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت، والحياة الآخرة، ومن ثم فهم لا يقدرون قيمة الشهيد عند الله، أما الشرطة المصرية المؤمنة، فهي تعلم تماما قدر الشهيد عند الله، وتعلم النعيم المقيم الذي يعيش فيه، وترى في حياة المواطنين مآس وبؤس، وبما إن المتظاهر قد خرج للاعتراض على أوضاع حياتية تؤرقه، فمن الأفضل إراحته وإرساله إلى الله شهيدا، لينعم بالحياة الأبدية في الجنة، بدلا من الحياة المزرية التي يعيشها هنا!
وأخيرا.. هناك تصريحات أخرى كثيرة وعجيبة، لكننا نكتفي بهذا القدر، مطالبين المسئولين المصريين بالحد الأدنى من احترام الذكاء المصري، ولو أن الطفل المصري ليس أذكى طفل في العالم – كما اعتاد المصريون أن يشيعوا عن أبنائهم – فمن المؤكد أن المواطن المصري ليس أغبى مواطن في العالم.