الانتشاء يقظانا.. تجربة مدمنة كحول متعافية

لم اعتبر نفسي أبدا مدمنة كحول سوى في اللحظة التي قررت فيها أن أكف عن تعاطيه.
كنت مؤمنة أنه طالما لا زال بإمكاني اتخاذ قرارٍ واع بتناوله في لحظة ما.. طالما أنني لم \”أحك جسدي\” بعد من أجل الحصول على جرعة منه، طالما أنني قادرة على التوقف عن تناوله لأيام دونما أن أصاب بأي علة جسدية، فأنا لست مدمنة.
لم أكن أملك ما يكفي من الشجاعة اللازمة للاعتراف بحقيقة مخزية كوني مدمنة.
مئات الليترات من الفودكا، آلاف الجنيهات المنفقة، والآلاف المختلسة من أجل زجاجات الكحول، كآبتي وعزلتي وتفضيلي الدائم للتعاطي على لقاء الأصدقاء، الكميات الهائلة التي كنت أتجرعها في الليلة الواحدة والتي لم تكف أبدًا عن التزايد، الاستمرار في التعاطي على الرغم من المواقف الدنية التي تعرضت لها كوني \”مخمورة\”، الخسارات الفادحة عاطفيًا واجتماعيًا.. عمليًا ونفسيًا.. كلها لم تكن كافية للاعتراف أمام نفسي بأنني \”مدمنة\”.
\”فأنا لا أحك جسدي طلبًا للكحول\”.
لم أكن أحك جسدي لكن ذهني وعواطفي كانت لتتآكل انهيارًا إذا ما فرغت زجاجات الكحول، لم أكن معتلة جسديًا، لكن روحي كانت لتشعر أن الحياة بأكملها أثقل من أن تحتمل طالما أنه لا \”كاس\” لي الليلة، اضطراب داخلي يمنعني من التفاعل الجاد مع أي شيء، ولا يهدأ سوى بالحصول على الكحول.
كنت مؤمنة بأنني غير قادرة على الاستمتاع بأي مسرة طالما أنني لست مخمورة، الجنس ليس بالمستوى الكاف لإغراقي في اللذة، الرقص ثقيلًا والموسيقى مملة، النزهات اعتيادية ونكات الأصدقاء مستهلكة، طالما أنني \”فايقة\”، إذ انتقل الخمر بالنسبة لي من كونه محفزًا للسرور، إلى أنه أصبح السرور نفسه.
لذا فقد لفتني مشروع \”نبيذ\” للمصور البرازيلي \”ماركوس ألبرتي\”، والذي التقط فيه صورًا لأصدقائه قبل تناول النبيذ، وبالتوالي بعد أول فثاني فثالث كأس منه، ومع كل منهم.. كل صديق وكل كأس مضاف، كانت تزداد ملامح الانبساط والسرور على أوجه الجميع.


لمشاهدة المشروع كاملا.. اضغط هنا
أنا اقر أن بإمكان الكحول فعل ذلك، أنفي كونه حقيقيًا.. لا أعني هنا أن الصور مزيفة أو أن الانفعالات فيها مصطنعة أو شيء من هذا القبيل، لكنني أتحدث عن نشوة الكحول في العموم، عن كونها غير حقيقية.

نعم كنت أضحك ضحكات عالية تحت تأثير الكحول، لكنني أبدًا لم أكن واعية بها بوضوح، بحيث أنني غالبًا ما كنت أستفيق غير قادرة على تذكر ما حدث ليلة الأمس، أو متسائلة: (كيف حدث؟)، نعم كنت انتشي، لكنها نشوة غير مدركة، نشوة حدثت لكن لا أثر لها، لا أتذكرها إذ لم أكن متيقظة خلال وقوعها، يشبه الأمر ارتداءك لزي قيصر روما على اعتبار أن في ذلك سفر عبر الزمن مثلا، من ناحية ارتدائه فقد ارتديته، لكنك لست قيصر روما، ولم تسافر عبر الزمن بالطبع، وفي الحقيقة تبدو مهرجًا أكثر منك قيصرا.
ولا أريد أن أتحدث عن الكحول كمثير للكآبة في أحيان كثيرة، سأتجاهل هذه الحقيقة وأحاجج فقط أنه ليس \”صانعا للبهجة\” كما يتردد باستمرار.
عندما أقلعت عن تناول الكحول.. اكتشفت قدر الأوقات المبهجة التي فاتتني، بينما أفكر في أن الأمر كان بحاجة لكأس من الفودكا، أدركت الفرق الضخم بين نشوة الكحول والنشوة الواعية، اعيش النشوة الواعية بكامل كياني، وتظل قادرة على توليد السعادة لمجرد تذكرها، بشكل أدق.. عندما أقلعتُ عن تناول الكحول \”أدركت\” البهجة، وعيت بها، وعيت لها، وأصبحت أكثر ثقة في قدرتي على خلقها. ولم يحدث معي ذلك إلا عندما ألغيتُ تمامًا خيار تناول الكحول، عندما لم يعد مجال للانتشاء باللحظة سوى أن أفعل ذلك بنفسي.. بوعيي.
لم يكن الأمر يستدعي سوى بعضًا من الثقة في كون \”اللحظة الحلوة\” حلوة بالفعل، حلوة وفي غير حاجة لافتعال الاستمتاع بها، حلوة وقادرة بذاتها على إبهاجي، حلوة بحيث أن غياب وعيي أثنائها خسارة لفرص الاغتباط بكل تفاصيلها، وأنه لا ينبغي لي لانتشاء كامل بجمالها، سوى أن أغرق فيها بالوعي كاملا.
أتصور أن السؤال هو: \”وأين هي اللحظة الحلوة بالأساس؟\”
موجودة دائمًا..
\”بس رد بالك.. الخدمة هذي تحب الفايق\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top