الاختفاء القسري: نفي الداخلية.. تواطؤ النيابة.. تجمُّل القومي لحقوق الإنسان

الاختفاء القسري.. مصير مجهول للضحايا وجحيم للأهالي (تحقيق)
تحقيق: هاني أبو الخير

طرقات سريعة وعنيفة على الأبواب. فزع وذعر وصراخ لمن وراء الأبواب. سرعان ما تفتح الأبواب أو تقتحم، يدخل أفراد، البعض منهم ملثم بزي مدني أو رسمي، ولكنهم دائما مدججين بالسلاح.

تحبس الأنفاس في الصدور ويتصبب العرق وتتسارع دقات قلوب من هم بالداخل، وقبل أن يفهموا ماذا يحدث، ودون إبراز ما يثبت هويتهم أو اطلاعك على أمر قبض أو إذن نيابة، يأتي السؤال عن الشخص الذي أتوا بسببه، تتناثر محتويات المنزل وتتهشم بحثا عن أي شيء قد يفيدهم. وإذا لم يجدوا ما يبحثون عنه، قد يأخذون أي شخص آخر كرهينة.
الكل يمكن أن يحدث معه ذلك، سواء كان في منزله أو ذاهبا لجلب دواء أو أثناء رجوعه من عمله أو ذاهبا إليه.

قد يحدث لك هذا أيضا، وأنت تقوم بإيصال أحد أقربائك إلى محطة قطار أو ذاهب لإصلاح سيارتك، أو عائد من درس أو محاضرة، وقد يحدث لك هذا أيضا أو لأحد من معارفك أو أقربائك وأصدقائك، حتى وأنت متوجه للمطار باحثا عن فرصة عمل خارج البلاد.

وما يحدث بعد ذلك لا يعلمه سوى الله، فلا أحد من ذويك أو أصدقائك يعلم عنك شيئا إذا ما تعرضت لأي حالة من تلك الحالات السابقة. فقبلها كنت شخصا على قيد الحياة -حتى وإن لم تكن مشهورا- يعلم الكثيرون ممن حولك أين أنت ومتى ستعود. أما بعدها، فقد اختفيت من على وجه الكرة الأرضية، ولا أحد يعلم عنك شيئا سوى من أمسك بك وقام باخفائك وطمس أي شيء قد يستدل به على كينونتك أو هويتك.. إنها الخطوة الأولى أو بداية رحلة \”الإخفاء القسري\” أو الاختفاء القسري كما عرف لدينا.
الاختفاء القسري يمثل واحدة من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان، إذ يحرم الأفراد من غطائهم القانوني، وينتهك حقهم في الحرية والأمان الشخصى، ويجعلهم عرضة لأخطر أنماط الانتهاكات كانتهاك الحق فى الحياة والحق فى السلامة البدنية. كما ينزل بالأسر أوضاع كارثية وخاصة النساء والأطفال.
لم تعرف مصر هذا المصطلح في العهود السابقة إلا قليلا، كان أشهرها حالة منصور الكيخا وزير الخارجية الليبي الأسبق، والذي اختفى عقب وصوله للقاهرة أثناء حضوره الجمعية العمومية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان 1993.
والثانية للكاتب الصحفي بالأهرام رضا هلال في ظروف غامضة عام 2003 والذي لم يتحدد مصيره إلى الآن.


ومنذ يناير 2011 حتى 2013 لم يكن هناك سوى حالات معدودة لم يعرف عنها أحد، ومنذ 2013 حتى الآن، أخذ مصطلح الاختفاء القسري في الانتشار إلى أن أصبح ظاهرة تحدث، بل يعاني منها الكثيرون، ولم تتوقف عند من لهم توجهات سياسية أو دينية، بل إنها طالت بعض من يعمل بحقوق الإنسان، وأيضا بعض المحامين الذين يتولون هذا الملف، إلى بعض أشخاص ليست لديهم أي انتماءات سياسية أو أي توجهات معينة.
تختلف أسماؤهم وأعمارهم، ولكنهم جميعا متشابهون في أن أهاليهم لا تعلم عنهم شيئا.

أشرف شحاته، خالد عزالدين، محمد صادق، علي الفقي، أحمد طاحون، ماصوني، وغيرهم الكثير والكثير، منهم من لا نعرفه أو نكون قد سمعنا به من قبل، وآخرون تخشى أسرهم على حياتهم، فآثروا الصمت وعدم البوح بأي كلام، ولكن الجميع تركوا وراءهم زوجات وأبناء وأمهات وآباء، يعيشون على أمل أن يُفتح الباب في يوم ما فيجدوا أمامهم من رحل، كي يعيد البسمة إليهم.
محامى المختفين.. \”هو موجود فين؟\”
المحامي محمد صادق، أحد المحامين العاملين في قضايا الاختفاء القسري، لا أحد يعلم عنه شيئا منذ 30 اغسطس الماضي حتى الآن، تولى صادق العديد من القضايا المتعلقة بأهالي المعتقلين بسجن العقرب شديد الحراسة، وكذلك حالات اختفاء قسري.. أقام عددا من الدعاوى القضائية لتمكين الأهالي من زيارة ذويهم المحتجزين في سجن العقرب، وكذلك اختصم وزير الداخلية في أكثر من دعوى قضائية تطالبه بالإفصاح عن أماكن احتجاز عدد من المختفين قسريا، وهو صاحب دعوى غلق سجن العقرب بسبب وجود انتهاكات بشعة فيه لحقوق الإنسان.
تقول السيدة أسماء أبو بكر (أم حبيبة) زوجته، إن زوجها قام بتوصيل خاله إلى داخل محطة القطار وانتظرتهما هي في الخارج، وعندما تأخرا عليها، حاولت أن تجدهما داخل المحطة، إلا أنها لم تتمكن من التعرف على مكانهما، وفي وقت متأخر من مساء اليوم نفسه، أطلقت الشرطة سراح الخال، الذي قال، إنه فور دخوله المحطة مع صادق تم اعتقالهما بواسطة قوة من الشرطة، قامت بتغطية أعينهما وتقييد أيديهما وأخذهما إلى إحدى العربات، قبل أن يتم فصلهما عن بعضهما، تمهيدا لإطلاق سراح الخال بعد عدة ساعات، وفقا لما قالته الزوجة.
وأضافت السيدة أبو بكر، أنه في اليوم نفسه داهمت قوة من الشرطة منزلها وصادرت كافة مستندات زوجها وأوراق القضايا التي يعمل عليها، سواء تلك المتعلقة بمعتقلين سياسيين أو قضايا أخرى لا علاقة لها بالسياسة، كما سألوها \”هو موجود فين؟\”!!
تواصلت الزوجة مع عزت غنيم، المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، الذي توجه بدوره إلى قسم شرطة الجيزة للسؤال عن صادق، غير أن القسم أنكر معرفته بأي تفاصيل تخص واقعة القبض عليه، كما حاول تحرير محضر بالاختفاء في اليوم نفسه بنيابة الجيزة الكلية، إلا أن رئيس النيابة طالبه بالانتظار ٤٨ ساعة، وهي المدة القانونية، قبل تحرير بلاغ الاختفاء.
في اليوم التالي لواقعة الاختفاء قامت السيدة أبو بكر بإرسال تلغراف لوزير الداخلية، كما قامت لاحقا بتحرير محضر لدى النيابة، كما التقت الزوجة بسامح عاشور نقيب المحامين الذي \”وعد بالتدخل لحل الأزمة\”، وحتى الآن لم تدلنا أي جهه على مكان صادق.


\”رايح اشرب فنجان قهوة في أمن الدولة\”:
منذ يناير 2014 وحتى الآن ما زالت رحلة البحث مستمرة أكثر من 33 شهرا مرت على اختفاء عضو مؤسس حزب الدستور والمحامي ورجل الأعمال رأفت فيصل علي شحاتة، وشهرته \”أشرف شحاتة\” الذي اختفى من أمام أحد المدارس المملوكة له بالجيزة.
في اليوم التالي لاختفاء أشرف تقدمت زوجته، السيدة مها المكاوي، ببلاغ لمركز شرطة كرداسة بالجيزة يحمل رقم 115 إداري جيزة.
\”رايح أشرب فنجان قهوة في أمن الدولة\”، كان آخر ما سمعته \”مها\” من زوجها، قبيل ذهابه على إثر خلاف مع شقيقة \”رئيس وزراء سابق\” كانت تشاركه في المدرسة التي كان يملكها.
33 شهرا مرت على اختفاء \”شحاتة\”، تقدمت خلالها زوجته بعشرات البلاغات للنائب العام للمطالبة بالكشف عن مصير زوجها ووالد أطفالها الثلاثة، إلى جانب شكاوى مماثلة للمجلس القومي لحقوق اﻹنسان وعدد من المنظمات الحقوقية لدعمها في المطالبة بالكشف عن لغز اختفائه، محملة مسؤولية اختفائه لـ\”اﻷمن الوطني\”، حيث أكدت علمها باحتجازه في أحد مقرات اﻷمن الوطني، مؤكدة على حصولها على وعود عديدة بإطلاق سراحه.
تكدست أوراق الشكاوى، ولم تتلق \”مها\” التي نظمت العشرات من الوقفات الاحتجاجية والمؤتمرات وخطابات لرئيس الجمهورية ورحلات متعددة على السجون لمعرفة مصيره، ردا من أي جهة.


الرحلة رقم 926
لم يكونوا على علم بأن الرحلة رقم 926 التابعة لشركة طيران دبي والمتجهة إلى دبي، سوف تكون بداية لرحلة شقاء وبحث للمرة الثالثة كتلك التي واجهوها على مدى أشهر في2014، 2015.
مثله مثل أي شاب تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لم يحالفه الحظ كي يلتحق بالسلك الدبلوماسي، ولكنه اكتفى بأن يعمل في مجال تخصصه كباحث اقتصادي، \”علي عبدالله الفقي\” البالغ من العمر 28 عاما متزوج منذ أكثر من عام، وهو أب لطفل لم يتم عامه الأول بعد، ضاق به الحال في مصر وأتت له فرصة للعمل خارجها، وعندما جاء موعد السفر كان القدر يخبئ له شيئا آخر.
تروي زوجته السيدة \”أميرة\”، تفاصيل اللحظات الأخيرة مع زوجها \”علي\” الذي كان من المنتظر أن يكمل عامه الـ29 في ديسمبر القادم، قائلة:

\”في مساء يوم 27 من شهر يونيو/حزيران الماضي، ذهبت وأنا أحمل عبد الله لتوديع زوجي في مطار القاهرة الدولي، والذي كان من المقرر أن يغادر في 12.30 من صباح اليوم التالي على رحلة رقم 926 على خطوط طيران دبي، متوجهًا إلى الإمارات للعمل، ولكن بعد وداعه ودخوله إلى المطار اختفت كل أخباره، وعند معاودتي للمطار في اليوم التالي للسؤال عليه، أخبرني أحد أفراد الأمن أنه تم اعتقال زوجي قبل إقلاع الطائرة\”.
وتؤكد الزوجة أنه منذ ذلك اليوم، لم يعد أحد يعلم عنه شيئا.. لم أترك جهة أو قسم شرطة يمكن أن يتواجد بها زوجي إلا وتوجهت إليه، ولكن دون جدوى، رغم ذلك أحلم أن يكون زوجي بخير وألا يكون قد قتل مثلما نسمع من قصص تحدث في مصر، ولا أردد كلمة أمام ابني عبد الله الذي بلغ 7 أشهر، إلا كلمة: \”بابا\” مع وضع صورة زوجي \”علي\” أمامه، حتى تكون أول كلمة ينطق بها.
وقد تقدمت الأسرة ببلاغ إلى النائب العام يحمل رقم 3214 لسنة 2016، كما تقدمت بالعديد من الشكاوى والمطالبات للجهات المعنية للإفصاح عن مكان احتجازه ولكن دون جدوى، وتحمّل السلطات المصرية مسئولية حياته، وتطالب المنظمات الحقوقية، بالتدخل للمساهمة في الإفصاح عن مكان احتجازه والإفراج عنه.


الدور الثالث بالعزولي:
رأته زوجته عبر شاشة التلفاز وكان مصابا في رأسه بالمستشفى الميداني بميدان رابعة، خلال الاشتباكات بين المعتصمين وقوات الشرطة في شارع النصر ناحية المنصة بمدينة نصر، ثم خرجت به عربة إسعاف خارج محيط الاعتصام للتوجه به إلى مكان غير معلوم، هو المحاسب خالد محمد حافظ عز الدين.
وردت لزوجته السيدة حنان بدر الدين معلومات تفيد بوجوده في مستشفى سجن طره عن طريق أحد الأطباء بمستشفى السجن، والذي أكد أنه تعافى من إصابته، ولكن بعد سؤالها هناك لم تتوصل إليه وأنكر مسؤولو السجن وجوده بالسجن.
قامت زوجته بالبحث عنه في السجون الرسمية ومعسكرات الأمن المركزي وقامت بعمل تحليل البصمة الوراثية على الجثث المحترقة والتي لم يتم التعرف عليها بعد عملية فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، ولم تتطابق مع جثامين القتلى.
توصلت زوجته لمعلومات تفيد بوجوده بسجن العزولي الحربي، وهو سجن داخل مقر قيادة الجيش الثاني الميداني بمحافظة الإسماعيلية شرق العاصمة، ويشتهر هذا السجن باحتجاز المدنيين واستجوابهم على أيدي محققي المخابرات الحربية، وذهبت بالفعل لحضور جلسات بعض الجنود الذين يحاكمون عسكريًا بمحكمة الجلاء وتمكنت من مقابلة أحد الجنود والذين أخبروها بأنهم سمعوا الاسم يتردد على آذانهم وبعضهم أخبرها بأنه موجود بقسم التحريات بالطابق الثالث من السجن.
تقدمت زوجة خالد ببلاغات للنيابة العامة حملت أرقام 4690 نيابة بني سويف بتاريخ 26 أغسطس 2013، وبلاغ رقم 10643 لعام 2014 بتاريخ 11/6/2014، وأرسل هذا البلاغ لنيابة مدينة نصر برقم 919 بتاريخ 16/6/2016، كما تقدمت بشكوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان والذي اعتمد في تقريره على رد وزارة الداخلية والذي أكد بأن خالد \”لم يُستدل على سابقة ضبطه من قبل النيابة ولم تُتخذ إجراءات قانونية بشأنه\”.
تقول السيدة حنان بدر الدين، المختفى قسريا هو معتقل زى أى معتقل فى أسوأ سجن تحت أسوأ ظروف، علاوة على حرمانه من أهله وانعزاله وإخفاء أخباره لمدة تصل لسنين، وهو ما ينتج عنه أنه معرض لكل أنواع التعذيب، لأن أخباره منقطعة.. مش عارفة نطالب بحقهم إزاى؟! مش عارفة ننقذهم إزاى؟!

أنا بس عايزة نفضل فاكرينهم، نتخيل شعورهم، والمهم نحاول نحس بيهم.. أكيد مش هنعرف نوصل لإحساسهم، بس نحاول نتخيله وندعي لهم ربنا يثبتهم ويخفف عنهم.. عايزين نعرف الناس كلها بقضيتهم يمكن ييجى يوم وكلامنا يكون سبب فى كشف الكرب عنهم.. يمكن!


القومي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية:
تلك بعض حالات لأكثر من 1000 حالة تم رصدها من قبل بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية والتي تقدم إليها أهالي الضحايا ببلاغات وشكاوى كي تساعدهم في معرفة مصير ذويهم، ومع تزايد أعداد البلاغات المقدمة وفي اليوم الدولي لمناهضة الاختفاء القسري الموافق 30 أغسطس 2015، أعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات عن إطلاق حملتها \”أوقفوا الاختفاء القسري\” تضامنا مع ضحايا الاختفاء القسري وأسرهم، ومساعدتهم في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتوثيق الحقوقي للحالات، كما تم إطلاق عدد من الحملات الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي (أحياء تحت الأرض، لا للاختفاء القسري، الحرية للجدعان)
أما المجلس القومي لحقوق الإنسان فقد رصد حوالي 266 حالة بين أبريل/نيسان 2015 ونهاية مارس/آذار 2016، دون إدانة أو دعوة للمحاسبة.
وصنف القومي في تقريره الذي صدر في 3 يوليو 2016 تحت عنوان \”الاختفاء القسري بين تزايد الادعاءات ونفي الشرطى\” عدد الشكاوى التي تقدمت إليه كالتالي:
بلغ عدد الحالات المبلغ بادعاء اختفائها 267 حالة تتوزع بين عدد 22 محافظة من محافظات الجمهورية، كان النصيب الأكبر لمحافظات القاهرة الكبرى بعدد (143) حالة، تلى ذلك محافظات الدلتا حيث بلغ عدد الحالات (86) حالة، ثم محافظات الوجه القبلى بواقع (24) حالة، وفى المرتبة الأخيرة محافظات القناة عدد (8) حالات بالإضافة إلى شكوى واحدة من محافظة شمال سيناء، أما باقى الحالات فلم تتوافر معلومات بشأنها.
كما تضمن التقرير رد قطاع حقوق الإنسان بالداخلية عن الحالات التي تقدم بها إليها، حيث \”خاطب المجلس وزارة الداخلية \”قطاع حقوق الإنسان\” عدد 267 حالة إدعاء باختفاء / تغيب حتى تاريخ إعداد التقرير، وأجلت الوزارة مصير عدد 238 حالة منها، مع استمرارها فى فحص ومتابعة باقى الحالات المرسلة، وبقراءة لطبيعة الردود الورادة من الداخلية تبين أن عدد (143 حالة) تفيد بأن المذكورين محبوسين إحتياطيًا على ذمة قضايا مع تحديد أماكن احتجازهم والتى تكون إما بأحد السجون أو أحد أقسام الشرطة، هذا بجانب تأكيد وزارة الداخلية على إخلاء سبيل عدد (27) حالة، وذلك عقب التأكد من سلامة موقفهم وعدم تورطهم فى أعمال مخالفة للقانون، كما أكدت الوزارة أيضًا وجود عدد 44 حالة تبين بعد الفحص أنه لم يتم ضبطهم أو إتخاذ إجراءات قانونية حيالهم، ومن المرجح أن غيابهم يعود إلى تركهم محل إقامتهم خوفًا من الملاحقة الأمنية أو الانضمام للجماعات التكفيرية، وكذلك تبين وجود عدد (8) حالات أفاد الرد الوارد من الوزارة بشأنهم بأنه \”بعد إجراء التحريات الميدانية تبين تواجد المذكورين بمحل إقامتهم وعدم صحة اختفائهم قسريًا\”، كما تبين أيضًا بعد الفحص وجود عدد (9) حالات لهاربين، ستة منهم مطلوب ضبطهم على ذمة قضايا، والحالات الثلاث الباقية لفتيات تبين أنهن هاربات من ذويهن، كما تبين أن هناك عدد (6 حالات) تغيب لمواطنين محرر بشأنهم محاضر شرطية، وبجانب الردود الورادة من وزارة الداخلية فقد تم إجلاء مصير عدد (4) حالة وذلك من قبل مجموعة عمل المجلس والتى تواصلت مع ذويهم فى مرحلة لاحقة بعد عمليات الحصر –وذلك كجزء من عمل المجموعة- وتبين أن ذويهم قد قاموا بإجلاء مصيرهم.
المجتمع المدني وحقوقيون:
ترى المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن \”جريمة الاختفاء القسري قد زادت وتيرتها بعد 30 يونيو 2013 وأصبحت في طليعة الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان التي تمارس بشكل منهجي، مما يثير الرعب في المجتمع، فما تزال مئات الأسر التي فجعت باختفاء أحد أفراد الأسرة لا تعلم مصيرهم، سواء كانوا من الأولاد أو الآباء أو الأصدقاء المفقودين، ولم يتم الكشف عن مصيرهم حتي هذه اللحظة.
وترى المفوضية المصرية أن السائد الآن هو احتجاز الشخص في إحدى الفروع الأمنية طوال فترة الاختفاء قبل انتقاله لأحد السجون سيئة السمعة وأشهرها سجن العقرب شديد الحراسة، وسجن استقبال طره بمنطقة سجون طرة، وفي العديد من الحالات لقى المختفى حتفه أثناء التعذيب في الفرع الأمني، وفي حالات أخرى يلقى المختفى حتفه أثناء وجوده في السجن إما نتيجة التعذيب أو ظروف الاعتقال اللاإنسانية أو أن يقتل بشكل تعسفى نتيجة أحكام عسكرية جائرة لم يتوفر فيها معايير المحاكمة العادلة والمنصفة – لحرمان المختفى من حقوقه القانونية منذ خطفه حتى تقديمه للمحاكمة أو أثناء المحاكمة –ينتج عنها أحكام بالإعدام مثل ما حدث في قضية عرب شركس والتي نفذ فيها الإعدام نتيجة أحكام عسكرية لمدنيين.
تواطؤ النيابة وإنكار الداخلية:
من جهته يذكر المحامي الحقوقي، مختار منير أن الاختفاء القسري ظاهرة زادت بشكل سريع وأصبحت أحد أهم أدوات النظام للبطش بالمعارضين له.
ويضيف منير أن القانون المصري يغفل تعريفا واضحا لها، ولكن هي صورة لأحد جرائم الاحتجاز بدون وجه حق، زيادة على ذلك فهو عدم علم أحد بمكان احتجاز المختفي قسريا، وللأسف الشديد زيادة جريمة الاختفاء القسري كان بسبب عدم عمل النيابة على حماية حقوق وحريات المواطنين، وذلك حيث إنها لم تقم بالتحقيق في تلك البلاغات، بل وصل الحد إلى أن النيابة تقوم بالتحقيق مع شخص مختفيٍ قسريا بالرغم من وجود بلاغات لديها باحتجاز هذا الشخص واختفائه قبل عرضه عليها في المدد القانونية والدستورية!
ويضيف أن هناك حالات اختفاء قسري عديدة لم تظهر بعد، ولا أعتقد أن هناك رقما دقيقا للحالات، وذلك بسبب غياب المعلومات وحجبها في أوقات كثيرة.
أما بالنسبة لإنكار الجهات الأمنية لتلك الجريمة، فليس من المعقول أن يقر المجرم بجريمته!
القومي لحقوق الإنسان يجّمل صورته:
يرى الأستاذ عزت غنيم المنسق العام للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات أن الاختفاء القسري يجب أن يطلق عليه لفظ ظاهرة، فانتشاره في المجتمع لا يمكن إنكاره، حتى وإن كانت بعض الحالات غير صحيحة، ولكنها لا تنفي الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير، وأصبحت سياسة ممنهجة للأجهزة الأمنية سواء لإرهاب الخصوم السياسيين أو لتعذيب البعض للإدلاء بأقوال محددة أو الإجبار على اعترافات ما.
ويضيف غنيم أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يتحدث بلسان النظام، فقد تماهي مع الأجهزة الأمنية في إنكار ما لا يمكن إنكاره، وحصر مئات الحالات في بعض الأفراد فقط، بالرغم من أن التقارير الحقوقية التي صدرت عن كثير من المنظمات التي تعمل داخل البلاد إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالبيانات والأسماء لأشخاص اختطفوا من منازلهم أو أعمالهم أو من الشارع، ولايزالوا رهن الإخفاء حتى الآن.
ويؤكد غنيم أن هناك اكثر من 1000 حالة، أماكنهم غير معروفة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتنطبق عليهم الشروط الحقوقية والمعايير الدولية للاختفاء القسري.
وأضاف أن هذا ليس اتهاما، بل هو إقرار بحقيقة واقعية تنطبق مع دور المجلس حاليا في طمس الحقائق والإذعان للسلطة، وما تقريره إلا محاولة لتجميل صورته.
الداخلية: بعض حالات الادعاء انضمت لمنظمات إرهابية:
من جهة أخرى، نفت وزارة الداخلية وجود حالات اختفاء قسرى، وأكدت أنه لا يوجد قيد الاحتجاز طرفها سوى السجناء أو المحبوسين بقرارات من النيابة العامة على ذمة قضايا تمهيدا، لتقديمهم إلى المحاكمة أو الإفراج عنهم، وأنه ربما يكون من بين المدعى اختفائهم قسريا عناصر غادرت البلاد للانضمام للمنظمات الإرهابية العاملة فى عدة بلدان عربية أو عناصر فارة مطلوب القبض عليها من جانب النيابة العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top