أحمد عزت فؤاد يكتب: أشياء كنتُ أحبها… ولم أعد

يتغير حال الإنسان من يوم لآخر دون أن يدرى، تغير حسيس لا يشعر به كدبيب النمل، بل ربما يكون دبيب النمل أقوى تأثيرا وأكبر وقعا من التغير الذى يمر بنا دون أن ندرى من أين جاء وإلى أين يذهب بنا، فتتبدل نظرتنا للأشياء من حولنا ويتغير شكل رؤيتنا لما يحيط بنا.

ربما التغير يحدث تدريجيا وربما يحدث مفاجئا نتيجة صدمة أو موقف أو حدث معين يمر بنا، وأخطر أنواع التغير هو التغير المفاجئ والانتقال غير المحسوب من نقطة الزاوية صفر إلى نقطة الزاوية 180 درجة.

التغيير والتغير هما سنة الحيوات وطبيعة الأكوان، فلولاه ما كنا أحياء نرزق الآن وما كان لنا وجود، ولكانت الحياة أنتهت من فوق سطح الأرض منذ آلاف القرون وأصبحت مثل بعض الكواكب الأخرى التى تفتقد للحياة، ولا ندرى ربما كانت أسطح الكواكب الأخرى تضج بالحياة يوما ما، ولكنها تصلبت وتجمد التغيير بها حتى جفت وماتت واقفة فى محلها، فبالتأكيد الجمود والركود والسكون هم الإتجاه العكسى للتغيير، ولكن كيف يحدث التغيير وإلى أين يأخذنا؟

على سبيل المثال، التغيير يحدث للطفل بعد ميلاده حتى يصبح صبيا ثم شابا ثم رجلا ثم يبدأ المنحنى من جديد ولكن فى الهبوط، حتى يصير كهلا، وفى هذه الرحلة يحدث تغييرا لطباعه وآرائه ووجهات نظره فى الأشياء عشرات -بل مئات- المرات، والذى كان يحبه اليوم ربما يكرهه غدا والذى كان يبغضه اليوم ربما يكون من أحد معجبيه فى المستقبل القريب، وتحضرنى هنا إحدى رباعيات الفنان متعدد المواهب صلاح جاهين:

(لا تجبر الإنسان ولا تخيره

يكفيه ما فيه من عقل بيحيره

اللى النهاردة بيطلبه ويشتهيه

هو اللى بكره ح يشتهى يغيره.

عجبى)

ومن انتبه للتجربة واستوعب الدرس حتى تخللت خلايا عقله وقلبه، يتوقف عن إصدار الأحكام وتقييم الناس من حوله بناء على موقف أو ممارسة أو تعامل معين، فهو لا يدرى، ربما يصدر الحكم من خلال موقف مر به، ولكن الحقيقة مختلفة أو التغيير قادم وسيحدث فى أى لحظة، بل يتوقف عن إصدار الأحكام وتقييم نفسه هو شخصيا، فلا يدرى لعل ما يمقته اليوم، يكون من أشد المتحمسين له غدا -سواء على المستوى العاطفى أو السياسى أو حتى الدينى- فربما ما تعتقده اليوم من أساسيات الدين، تكتشف فى المستقبل بعد قراءة وتدبر وشئ من التمحيص أنه لا يمت للدين بصلة، حتى على مستوى ذوقك الخاص فى اختيار الأطعمة، فربما تتأفف اليوم من رائحة طبق (شوربة الكوارع)، وتصبح أحد المتيمين بها بعد أيام، نتيجة تذوقك لها من يد طاهية محترفة أو تناولك لها فى مطعم له إضافاته الخاصة، لذا لابد لنا من معاكسة ما نشأنا عليه فى مجتماعتنا من عادات جلد أنفسنا، وإطلاق العنان لإصدار الأحكام بسبب وبدون على الآخرين من حولنا، بل علينا التحلي بمساحة من التسامح فى داخلنا تجاه أنفسنا أولا، ثم الآخرين ثانيا، لأن التغير واقع لا محالة، ولعل عدو اليوم هو صديق الغد، ولعل ما تكرهه فى أخيك من صفات، تظهر داخلك وتصبح إحدى طباعك الأساسية بعد لحظات (وما أبرئ نفسى.. إن النفس لأمارة بالسوء، إلا من رحم ربي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top